فى الدنيا كانت خاسرة ، غلبها الشر ، وجانبها الخير ، وهذه النار الحامية لا نعرف كنهها ، ولكن علينا أن نؤمن بها ، وبأن حلفاء الباطل يصلونها.
(تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) أي إن أهل النار إذا عطشوا فى تلك الدار وطلبوا ما يطفئ غتّهم ، جىء لهم بماء من ينبوع بلغ من الحرارة غايتها ، فهو لا يطفىء لهبا ، ولا ينقع غلّة.
وبعد أن ذكر شرابهم أردفه بوصف طعامهم فقال :
(لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) أي إنهم إذا أحسوا بالجوع وطلبوا الطعام أتى لهم بالضريع وهو ذلك المرعى السوء الذي لا تعقد عليه السائمة شحما ولا لحما ، وإن لم تفارقه إلى غيره ساءت حالها ، والمراد بهذا كله أنه يؤتى لهم بردىء الطعام.
ثم وصف هذا الضريع بأنه لا يجدى ولا يفيد فقال :
(لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) أي إن هذا الطعام لا يدفع جوعا ، ولا يفيد سمنا ، فليس له فائدة الطعام التي لأجلها يؤكل فى الدنيا ، وقد سمى الله ذلك الطعام بالضريع تشبيها له ، وإلا فذلك العالم ليس فيه نمو أبدان ولا تحلل مواد على النحو الذي يكون فى الدنيا ، بل هو عالم خلود وبقاء ، واللذائذ فيه لذائذ سعادة ، والآلام آلام شقاء ، فكل ما فى ذلك العالم إنما يقع بينه وبين ما فى عالمنا نوع مشابهة ، لا اتفاق ولا مجانسة.
وقد جاء فى سورة الحاقة فى طعام الكافرين : «وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ» وفى سورة الواقعة : «ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ. لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ» وفى سورة الدخان : «إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ».
فهذا كله يدل على أن طعام النار شىء يوافق النشأة الآخرة ، عبر عنه بعبارات مختلفة ، ليصور فى أذهاننا بشاعته وخبثه ، لتنفر منه نفوسنا ، وتطلب كل وسيلة للفرار منه ، فتبتعد عن العقائد الفاسدة ، والأعمال الخاسرة.