وبعد أن توعد من هذه صفاته بشديد العقاب ، وأردفه ذكر السبب الذي حمله على ارتكاب هذه الخلال للمقوتة ، من ظنه أن ماله يضمن له الأمان من الموت ، أعقبه بتفصيل ما أعدّ له من هذا العذاب المحتوم فقال :
(كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) أي ازدجر أيها العيّاب عما خيل إليك من أن المال يخلدك ويبقيك ، بل الذي ينفع هو العلم وصالح العمل ، فإنك والله مطروح فى النار لا محالة ، لا يؤبه لك ولا ينظر إليك.
وأثر عن علىّ كرم الله وجهه من عظة له : يا كميل هلك خزّان المال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم فى القلوب موجودة.
يريد أن خزان الأموال ممقوتون مكروهون عند الناس ، لأنهم لا ينالون منهم شيئا ، أما العلماء فالثناء عليهم مستمر ما بقي على الأرض إنسان ينتفع بعلمهم ، ويغترف من بحار فضلهم.
ثم أخذ يهوّل أمر هذه النار ويعظم شأنها فقال :
(وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ) أي إن هذه الحطمة مما لا تحيط بها معرفتك ، ولا يقف على حقيقتها عقلك ، فلا يعلم شأنها ، ولا يقف على كنهها ، إلا من أعدها لمن يستحقها.
ثم فسر هذه الحطمة بعد إبهامها فقال :
(نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ) أي إنها النار التي لا تنسب إلا إليه سبحانه ، إذ هو الذي أنشأها وأعدها لعقاب العصاة والمذنبين ، وفى وصفها بالموقدة إيماء إلى أنها لا تخمد أبدا بل هى ملتهبة التهابا لا يدرك حقيقته إلا من أوجدها.
ثم وصفها بأوصاف تخالف نيران الدنيا ليؤكد مخالفتها لها فقال :
(١) (الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) أي إنها تتغلب على الأفئدة وتقهرها ، فتدخل فى الأجواف حتى تصل إلى الصدور ، فتأكل الأفئدة ، والقلب أشد أجزاء البدن تألما ، فإذا استولت عليه النار فأحرقته ، فقد بلغ العذاب بالإنسان غاية لا يقدرها قدرها.