(فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي إذا تمّ لك كل ذلك فنزّه ربك وقدّسه عن أن يهمل الحق ، ويدعه للباطل يتغلب عليه ، وعن أن يخلف وعده الذي وعدك به ، بأن يجعل كلمتك العليا ، وكلمة الذين كفروا السفلى ، ويتم نعمته عليك ولو كره الكافرون.
وليكن تنزيهه بحمده على ما أولاك من نعم ، وشكره على ما منحك من خير ، والثناء عليه بما هو له أهل ، فإنه هو القادر الذي لا يغلبه غالب ، والحكيم الذي إذا أمهل الكافرين ، فلن يضيع أجر العاملين.
(وَاسْتَغْفِرْهُ) أي واسأله أن يغفر لك ولمن اتبعك من أصحابك ما كان منهم من القلق والضجر والحزن والأسى لتأخر النصر.
والتوبة من هذا القلق إنما تكون بتكميل الثقة بوعد الله ، وتغليبها على خواطر النفس التي تحدثها الشدائد ، وإن كان ذلك مما يشق على نفوس البشر ، ولكن الله قد علم أن نفس رسوله قد تبلغ ذلك الكمال ، ومن ثم أمره به ، وهكذا يحدث فى نفوس الكملة من أصحابه وأتباعه ما يقارب ذلك ، والله يتقبله منهم.
ثم علل طلب الاستغفار بقوله :
(إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) أي إنه سبحانه كثير القبول لتوبة عباده ، لأنه يربى النفوس بالمحن ، فإذا وجدت الضعف أنهضها إلى طلب القوة ، وشدّد عزيمتها بحسن الوعد ، ولا يزال بها حتى تبلغ مرتبة الكمال.
وخلاصة ما سلف ـ إذا حصل الفتح وتحقق النصر ، وأقبل الناس على الدين الحق فقد زال الخوف ، فعليك أن تسبّح ربك وتشكره وتنزع عما كان من خواطر النفس وقت الشدة ، فلن تعود الشدائد تأخذ نفوس المخلصين من عباده ماداموا على تلك الكثرة ، ينزل بساحتهم الإخلاص وتجمعهم الألفة.