والخلاصة ـ إنه سبحانه عاتب نبيه وأمره بأن يقبل على ذى العقل الذكي ، ونهاه أن ينصرف عنه إلى ذى الجاه القوى ، فإن الأول حىّ بطبعه والثاني غائب عن حسّه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآيات يكرم ابن أم مكتوم ويقبل عليه ويتفقده ، ويقول له إذا رآه : أهلا بمن عاتبنى فيه ربى ، ويسأله هل لك حاجة؟
الإيضاح
(عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) أي قطب الرسول صلى الله عليه وسلم وجهه وأعرض ، لأن جاءه الأعمى وقطع كلامه.
وفى التعبير عنه بالأعمى إشعار بعذره فى الإقدام على قطع كلامه صلى الله عليه وسلم حين تشاغله بالقوم ، وقد يكون ذلك لذكر العلة التي اقتضت الإعراض عنه ، والتعبيس فى وجهه ، فكأنه قيل : إنه بسبب عماه كان يستحق مزيد الرفق والرأفة ، فكيف يليق بك أن تخصه بالغلظة.
وهذا كما تقول لرجل جاءه فقير فانتهره وآذاه : أتؤذي هذا المسكين الذي يستحق منك الشفقة ومزيد الحنان والعطف؟
(وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى؟) أي وأىّ شىء يعلمك حال هذا الأعمى؟ لعله يتطهر بما يسمعه منك ، ويتلقاه عنك ، فتزول عنه أو ضار الآثام ، أو يتعظ فتنفعه ذكراك وموعظتك.
والخلاصة ـ إنك لا تدرى ما هو مترقب منه من تزك أو تذكر ، ولو دريت لما كان الذي كان.
وفى هذا إيماء إلى أن من تصدى لتزكيتهم وتذكيرهم من المشركين لا يرجى منهم التزكى ولا التذكر.