كثر ماله ، ونبه شأنه ، أن يتكبر ويتعاظم ويعطى نفسه ما تهواه ، ولا يفكر فى منتهاه ، ولا فيمن أنعم عليه بنعمة الخلق والإيجاد ، وصوّره فى أحسن الصور ، فى أطوار مختلفة ، وأشكال متعددة ، ثم لا يلبث إلا قليلا على ظهر البسيطة حتى يعود إلى التراب كما كان ، ويوضع فى لحده ، إلى أمد قدره الله فى علمه ، ثم يبعثه من قبره ، ويحاسبه على ما عمل فى الدار الأولى ، ويستوفى جزاءه إن خيرا وإن شرا ، لكنه ما أكفره بنعمة ربه ، وما أبعده عن اتباع أوامره ، واجتناب نواهيه!
الإيضاح
(قُتِلَ الْإِنْسانُ) هذا دعاء عليه بأشنع الدعوات على ما هو المعروف فى لسانهم.
يقولون إذا تعجبوا من إنسان : قاتله الله ما أحسنه ، وأخزاه الله ما أظلمه! والمراد بيان قبح حاله ، وأنه بلغ حدا من العتوّ والكبر لا يستحق معه أن يبقى حيا.
(ما أَكْفَرَهُ) أي ما أشد كفرانه للنعم التي يتقلب فيها ، وأكثر ذهوله عن مسديها ، وعمن غمره بها من حين إيجاده ، إلى ساعة معاده! ثم شرع يفصل ما أجمله ، ويبين ما أفاض عليه من النعم فى مراتب ثلاث : المبدأ والوسط والمنتهى ، وأشار إلى الأولى بقوله :
(مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ؟) أي من شىء حقير ، فلا ينبغى له التجبر ولا التكبر.
وقد أجاب عن هذا الاستفهام بقوله :
(مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) أي خلقه من ماء مهين ، وقدره أطوارا وأحوالا ، طورا بعد طور وحالا بعد حال ، وأتم خلقه بأعضاء تلائم حاجاته مدة بقائه ، وأودع فيه من القوى ما يمكنه من استعمال تلك الأعضاء وتصريفها فيما خلقت لأجله ، وجعل كل ذلك بمقدار محدود بحسب ما يقتضيه كمال نوعه.