وقد أثر عن بعضهم : كيف يتكبر الإنسان ، وأوله نطفة مذرة ، وآخره جيفة قذرة ، وهو فيما بين الوقتين حمّال عذرة.
وروى عن علىّ كرم الله وجهه قوله : كيف يفخر الإنسان وقد خرج من موضع البول مرتين.
وأشار إلى المرتبة الوسطى بقوله :
(ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) أي ثم جعله متمكنا من سلوك سبيلى الخير والشر ، فآتاه قدرة العمل ، ووهبه العقل الذي يميز به بين الأعمال ، وعرّفه عاقبة كل عمل ونتيجته كما قال «وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ» وبعث إليه الرسل مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتب المشتملة على الحكم والمواعظ والدعوة إلى أنواع البر ، والتحذير من الشر ، والحاوية لما فيه سعادة البشر فى معاشهم ومعادهم.
وأشار إلى المرتبة الأخيرة بقوله :
(ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ. ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) أي ثم قبض روحه ولم يتركه مطروحا على الأرض جزرا للسباع ، بل تفضل عليه وجعل فى غريزة نوعه أن يوارى ميته تكرمة له ، ثم إذا شاء بعثه بعد موته للحساب والجزاء فى الوقت الذي قدّره فى علمه.
وفى قوله : «إِذا شاءَ» إشعار بأن وقت الساعة لا يعلمه إلا هو ، فهو الذي استأثر بعلمه ، وهو القادر على تقديمه وتأخيره ، وهو القاهر فوق عباده ، وذو السلطان عليهم فى إحيائهم وإماتتهم. وبعثهم وحشرهم. وحسابهم على ما قدموا من عمل. خيرا كان أو شرا.
ثم أكد كفرانه بالنعم فقال :
(كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) أي حقا إن حال الإنسان لتدعو إلى العجب. فإنه بعد أن رأى فى نفسه مما عددناه من عظيم الآيات ، وشاهد من جلائل الآثار.