والتكذيب ، فالشعور النفسي يوحى به ، والدليل النقلى الذي أتى به الرسول يصدقه ، والله لم يترك عملا لعباده إلا أحصاه وحفظه ، ليوفى كل عامل أجره ، فقد وكل الكرام الكاتبين المطهرين عن الغرض والنسيان بكتابته وضبطه.
ثم ذكر أن الناس فى هذا اليوم فريقان ، بررة مطيعون لربهم فيما به أمر وعنه نهى ، وهؤلاء يتقلبون فى النعيم ، وفجرة يتركون أوامر الدين ، وأولئك يكونون فى دار العذاب والهوان يقاسون حر النار ، وأنه فى هذا اليوم لا يجد المرء ما يعوّل عليه سوى ما قدمت يداه ، فيجفوه الأولياء ، ويخذله الشفعاء ، ويتبرأ منه الأقرباء فلا شفيع ولا نصير ، ولا وزير ولا مشير ، والحكم لله وحده ، وهو المهيمن على عباده ، وبيده تصريف أمورهم ، وهو الصادق فى وعده ، العدل الحكيم فى وعيده ، فلا مهرب لعامل مما أعدّ له من الجزاء على عمله.
الإيضاح
(كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ) أي ارتدعوا عن الاغترار بكرمى لكم. فإنكم لا تستقيمون على ما توجبه نعمى عليكم ، ويدعوه إرشادى لكم ، بل تجترئون على ما هو أعظم منه. فتكذبون بيوم الجزاء والحساب على القليل والكثير ، يوم تبعثون للفصل بينكم ، فتجازى كل نفس بما عملت ، وما قدمت وأخرت.
ثم حذرهم من تماديهم فى غيهم ببيان أن أعمالهم محصاة عليهم فقال :
(وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ. كِراماً كاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) أي إن أعمالكم محصاة عليكم ، فقد وكل بكم ملائكة حفظة ، كرام كاتبون يحصون كل ما تعملون من خير وشر.
وقد ذكر ذلك فى غير موضع من الكتاب الكريم كقوله : «عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ. ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» وقوله : «وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً».