وليس علينا أن نبحث عن كنه هؤلاء الحفظة ، ولا أن نعرف من أي شىء خلقوا وما عملهم ، وكيف يحفظون الأعمال ، وهل عندهم أوراق وأقلام ، أو هناك ألواح ترسم فيها الأعمال ، أو هم أرواح تتجلى فيها تلك الأعمال ، فتبقى فيها بقاء المداد فى القرطاس. كل ذلك لم نكلّف العلم به ، وإنما نكلف الإيمان بصدق الخبر ، وتفويض الأمر فى حقيقته إلى الله.
ثم ذكر نتيجة الحفظ والكتابة من الثواب والعقاب ، وبين أن العاملين فى ذلك اليوم فريقان ، وبين مآل كل منهما فقال :
(إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ. وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ. يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ) أي وإن أهل الثواب وهم الأبرار يكونون فى دار النعيم. وإن أهل العقاب وهم الفجار يكونون فى دار الجحيم ، دار العذاب الأليم يقاسون أهوالها.
ثم بين أن هذا العذاب حتم لا منجاة لهم منه ولا مهرب فقال :
(وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ) أي إنهم لا يغيبون عن الجحيم ، ولا ينفكون عن عذابها ، بل هم ملازمون لها.
ثم عاد إلى تفخيم ذلك اليوم وتهويل أمره فقال :
(وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) أي إن أمرك أيها الإنسان لعجيب ، فأنت لاه عن هذا اليوم غير مبال به ، وقد كنت خليقا أن تتعرف حقيقة حاله ، لتأخذ لنفسك الحيطة ، وتتدبر أمرك ، ولا تركن إلى عفو ربك وكرمه وصفحه ، فإنك لا تدرى ما قدّر لك.
ثم زاده توكيدا وتعظيما فقال :
(ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ؟) أي ثم عجيب منك أن تتهاون بنبإ هذا اليوم.
كأنك قد أدركت كنهه. وعرفت وجه الخلاص مما يلقاك فيه من الأهوال. ولو عرفته حق معرفته للانت قناتك. ورجعت إلى ربك تائبا. وعدت إليه مستغفرا. طالبا الصفح عما قدمت يداك.