الفصل الثّالث
موسى الرّسول النّبيّ
(١) المبعث : ـ
في الطريق من مدين إلى مصر ، ضل موسى عليهالسلام طريقه في الصحراء ، والليل مظلم ، والمتاهة واسعة ، نعرف هذا من قوله لأهله : (امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) (١) ، قال ابن عباس : إنه رأى شجرة خضراء أطافت بها من أسفلها إلى أعلاها نار بيضاء تتقد كأضوأ ما يكون ، فوقف متعجبا من شدة ضوئها ، وشدة خضرة الشجرة ، فلا النار تغيّر خضرتها ، ولا كثرة ماء الشجر تغير ضوءها ، وقيل إن الشجرة كانت عوسجة ، وقيل كانت سمرة ، وهناك طور سيناء ، وفي تلك الليلة المباركة (نُودِيَ يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) (٢) (إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً ، وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى ، إِنَّنِي
__________________
(١) سورة طه : آية ١٠ ، تفسير أبي السعود ٦ / ٧.
(٢) ذهب المفسرون مذاهب شتى في أسباب أمر الله تعالى لموسى بخلع نعليه ، فقالوا ربما لأن الحفوة أدخل في التواضع وحسن الأدب ، وربما تعظيما لهذه البقعة المقدسة ، ومن ثم فقد كان السلف الصالح يطوفون بالكعبة حافين ، وربما ليباشر الوادي بقدميه تبركا به ، وربما لأن نعليه كانتا جلد حمار غير مدبوغ ، وربما كان المعنى فرغ قلبك من الأهل والمال ، ثم قيل إنك بالوادي المقدس وذلك لتعليل الخلع ، ثم نودي باصطفائه رسولا نبيا (تفسير أبي السعود ٦ / ٧ ، مختصر تفسير ابن كثير ٢ / ٤٧١).