الفصل الثّاني
الوجود التّاريخي لموسى عليهالسلام
من الغريب المؤلم أن شك شراح التوراة وعلماء اليهود لم يقتصر على جنسية كليم الله عليهالسلام ، وإنما تجاوزه إلى الوجود التاريخي لموسى عليهالسلام نفسه ، ولعل السبب في ذلك إنما هي التقاليد العجيبة التي اكتنفت شخصية موسى ، كما تبرز في نصوص التوراة ، فكأننا أمام تضارب تقييم ، شخصية صكت بني إسرائيل بعقد عميقة الجذور ، فهم عنها وإليها بين شد وجذب عنيفين.
فالتفسيرات جميعا تكاد تتفق ، في سعي خبيث ، إلى التهوين من قدر موسى عليهالسلام ، فأنبياء بني إسرائيل المتأخرون (١) ، دون غيرهم ، أصحاب الفضل في إرساء أركان الديانة ـ المتسامية بأخلاقياتها زعموا ـ ولا بأس من التسليم لموسى ، بأن كان علما على منعرج حاسم في تاريخ بني إسرائيل ، كفاه أن هيأ لهم بعقيدة اصطفاء ، أسبابا من تماسك وتلاحم ، تفسيرات تكاد تكون انعكاسا صادقا لما طرأ عبر العصور على كتابات اليهود ، فلا ذكر لموسى عليهالسلام ، أو يكاد ، في الأصول التوراتية القديمة ، ولا تقع على اسمه إلا خطفا ، حتى في كتابات أنبياء القرن الثامن
__________________
(١) أنظر عن هؤلاء الأنبياء (محمد بيومي مهران : النبوة والأنبياء عند بني إسرائيل ـ الاسكندرية ١٩٧٨ ص ٥٠ ـ ٦٠).