الفصل الأول
بنو إسرائيل في مصر
(أ) فيما قبل الاضطهاد :
قدم بنو إسرائيل ، كما رأينا من قبل ، لا كغزاة فاتحين ، وإنما كلاجئين من جدب أصاب أرض كنعان ، فوجدوا في مصر ، وفي ظل أخيهم يوسف عليهالسلام ، ضيافة كريمة ، فاختاروا ، أو اختار لهم يوسف ، أرض جوشن في وادي طميلات ، لأنهم رعاة أغنام ، وهذه أرض مراع ، ولأنها تبعدهم عن مخالطة أهل البلاد والاندماج فيهم ، والامتزاج بهم ، حيث كانوا يؤثرون الإقامة في جهات خاصة بهم ، ربما لأن تلك طبيعتهم ، وربما بسبب نفور المصريين منهم أو من حرفتهم كرعاة «لأن كل راعي غنم رجس عند المصريين ، ولعلنا نحس بذلك منذ اللحظة الأولى التي قدم فيها بنو إسرائيل بأخيهم بنيامين ، إذ نرى يوسف يولم وليمة تكريما لأخيه ، ولكنه ، فيما تروي التوراة ، يأمر بأن تكون له مائدة خاصة به ، وأخرى لإخوته ، وثالثة للمصريين «لأن المصريين لا يقدروا أن يأكلوا طعاما مع العبرانيين لأنه رجس عند المصريين» (١).
وهكذا تبدو نظرة المصريين للعبرانيين واضحة لنا منذ أول لقاء بينهم ، وفي ضيافة يوسف العبراني نفسه ، وهي نظرة لا تدل ، بحال من الأحوال ،
__________________
(١) تكوين ٤٣ / ٣٢.