يقبل الشك بأن هذا القرآن ما كان حديثا يفترى ، ولكنه وحي من الله عزوجل (١) ، ولست أدري كيف نقل البوطي كل ذلك دون تعليق ، والمستشرقون المبغضون للقرآن لم يقولوا أكثر من ذلك ، فضلا عن أن الجملة التي قالها مالك بن بني لا تعني ما ذهب إليه ، وإن اقتربت منه.
وقد ناقشنا ذلك كله في الجزء الأول من هذه السلسلة ، وبيّنا بطلانه ، ثم أثبتنا ذلك البطلان بعقد مقارنة لكثير من قصص الأنبياء ، مثل نوح وإبراهيم وموسى وهارون وداود وسليمان ومريم والمسيح عليهمالسلام ، كما جاءت في القصص القرآني وروايات التوراة (٢).
(٢) قصة يوسف بين آيات القرآن وروايات التوراة : ـ
لعل قصة يوسف عليهالسلام ، إنما كانت أكثر القصص الذي طال الجدل واشتد حولها ، حتى زعم «الفرد جيوم» أنها تدل على أن محمدا صلىاللهعليهوسلم لم يكن يعرف قصة الآباء الأوائل ، كما جاءت في سفر التكوين من التوراة ، فحسب ، بل إنه يعرف كذلك التطور اليهودي المتأخر للقصة (٣) ، حيث تداخلت مصادر التوراة الثلاثة (إليهوي والإلهيمي والكهنوتي) ، وكونت قصة تكون مزيجا عجيبا من هذه المصادر جميعا (٤).
ولعل أفضل ما نفعله للرد على مزاعم «جيوم» وغيره من المستشرقين ، بل وبعض المسلمين للأسف ، أن نعقد مقارنة بين القصتين ، ذلك لأن قصته التوراة ، وإن كانت تحمل بعض أوجه شبه من القصة القرآنية ، فإن هناك
__________________
(١) محمد سعيد البوطي : من روائع القرآن ـ دمشق ١٩٧٢ ص ٢٢١.
(٢) أنظر : محمد بيومي مهران : دراسات تاريخية من القرآن ـ الجزء الأول ـ في بلاد العرب ـ الرياض : ١٩٨ ص ٤٧ ـ ٨٨.
(٣) مالك بن بني : المرجع السابق ص ٢٥١ وكذا ٦١ A.Guillaume ,op ـ cit ,p.
(٤) أنظر عن مصادر التوراة : محمد بيومي مهران : إسرائيل ٣ / ٩٧ ـ ١٠٦ ، حسن ظاظا : الفكر الديني الإسرائيلي ـ الإسكندرية ١٩٧١ ص ٢٨ ـ ٣١.