من قال لم يبدل شيء منها بالكلية بعيد أيضا ، والحق أنه دخلها تبديل وتغيير وتصرفوا في بعض ألفاظها بالزيادة والنقص ، كما تصرفوا في معانيها ، وهذا معلوم عند التأمل (١).
ومن ثم فليس صحيحا ما ذهبت إليه بعض المستشرقين من أن القرآن الكريم قد اعتمد إلى حد كبير في قصصه على التوراة والإنجيل (٢) ، وزاد بعض من تابعهم من الباحثين العرب أن القرآن الكريم جعل هذه الأخبار مطابقة لما في الكتب السابقة ، أو لما يعرفه أهل الكتاب من أخبار ، حتى ليخيل إلينا (أي الباحثين العرب) أن مقياس صدقها وصحتها من الوجهة التاريخية ، ومن وجهة دلالتها على النبوة والرسالة ، أن تكون مطابقة لما يعرفه أهل الكتاب من أخبار (٣).
وذهب الأستاذ مالك بن نبي أن هناك تشابها عجيبا بين القرآن والكتاب المقدس (التوراة والإنجيل) وأن تاريخ الأنبياء يتوالى منذ إبراهيم إلى زكريا ويحيى ومريم والمسيح ، فأحيانا نجد القرآن يكرر نفس القصة ، وأحيانا يأتي بمادة تاريخية خاصة به ، مثل هود وصالح ولقمان وأهل الكهف وذي القرنين (٤) ، ومن عجب أن الدكتور البوطي ينقل عنه ، فيما يزعم ، أن القرآن جاء بقصص الأنبياء والأمم الغابرة ، على نحو يتفق جملة وتفصيلا مع ما أثبتته التوراة والإنجيل من عرض تلك الأخبار والقصص ، وأن ذلك دليلا لا
__________________
(١) ابن كثير : البداية والنهاية ٢ / ١٤٩.
(٢) جولد تسيهر : العقيدة والشريعة تب الإسلام ـ ترجمة محمد يوسف موسى ـ القاهرة ١٩٤٦ ص ١٢ ، ١٥ وكذا : ٦٢ ـ ٦١.p ، ١٩٦٤Alfred Guillaume ,Islam (Pelican Boots) ,
(٣) محمد أحمد خلف الله : الفن القصصي في القرآن الكريم ـ القاهرة ١٩٥٣ ص ٢٢ ، وأنظر ص ٢٧ ، ٢٨ ، ٤٥ ، ١٧٣ ، ١٧٥ ، ١٨٢.
(٤) مالك بن بني : الظاهرة القرآنية ـ ترجمة الدكتور عبد الصبور شاهين ـ بيروت ١٩٦١ ص ٢٥١.