الهكسوس ، إنما كانت حقيقة لا ريب فيها ، لو لا أن تداركت رحمة الله أرض الكنانة بحكمة يوسف عليهالسلام ، ومن ثم فقد كانت أيام الصديق في مصر خيرا كلها ، دينا ودنيا ، بل إن وجود يوسف في مصر حين من الدهر ، شرف ما بعده شرف ، وأن دعوته كانت رحمة وهداية للمصريين ، ما في ذلك من ريب ، وأن الصديق عليهالسلام قد أنقذ الله به مصر من مجاعة محققة ، كادت تهلك الحرث والنسل ، وأنه قد نشر في مصر دعوة التوحيد وبث العقيدة الصحيحة ، ما في ذلك شبهة من شك ، وهكذا حمل الصديق عليهالسلام إلى مصر نور الإيمان وهداية التوحيد ، وعدالة الله ، وكل ما هو خير وطيب من نعم الله التي يجريها ، سبحانه وتعالى ، على أيدي المصطفين الأخيار من أنبيائه الكرام البررة.
(٢) يوسف وإخوته في مصر :
ما أن تمضي سنون الرخاء السبع ، وتبدأ سنون الجفاف في مصر ، حتى يجتاح أرض كنعان (فلسطين) جدب ، فتفقر الأرض وتعم المجاعة ، وتتجه كنعان صوب أرض الكنانة ، الطيبة والكريمة كذلك ، لعلها تجد عندها المأوى ، كالعهد بها دائما وأبدا ، وينطلق أبناء يعقوب إلى مصر مع المنطلقين ، فقد أصابهم من الجوع ما أصاب غيرهم ، ويتعرف الصديق على إخوته وهم له منكرون ، وهذا من بديهيات الأمور ، فإن يوسف قد عرفهم لقوة فهمه ، وعدم مباينة أحوالهم السابقة لحالهم يومئذ لمفارقته إياهم وهم رجال ، وتشابه هيأتهم وزيّهم في الحالين ، ولكن همته معقودة بهم وبمعرفة أحوالهم ، لا سيما زمن القحط ، وأما هم فلم يعرفوه لأن خيالهم لا يتصور قط أن هذا الوزير الخطير ، هو ذاك الغلام العبراني الذي ألقوه في الجب منذ عشرين عاما أو تزيد ، فقد كبر بعد صغر ، واغتنى بعد فقر ، وعاش بعد أن دفعوه إلى الموت ، وعزّ بعد أن حقّروه وأهانوه ، ووزّر بعد أن كان من رعاة