الأغنام ، فكيف يعرفون وجودا من عدم ، ومن أجل هذا عرفهم ، وهم له منكرون ، ولم يخطر على بالهم أنه نجا من الجب الذي ألقوه فيه ، وأنه عاش وكبر ، ونزح من كنعان إلى مصر ليصير وزيرا خطيرا (١).
ومن عجب أن التوراة ، ومن نحا نحوها من المفسرين ، إنما تفاجئنا بصورة غريبة عن محاورة دارت بين يوسف وإخوته ، تذهب فيها إلى أن الصديق إنما عرف إخوته منذ اللحظة الأولى للقائه بهم ، وأنه قد اتهمهم بالتجسس ثم حبسهم أياما ثلاثة ، ثم أطلق سبيلهم ، وإن استبق أخاهم «شمعون» حيث قيّده على مرأى منهم ، حتى يعودوا إليه بأخيهم «بنيامين» (٢) ، وهذا التهديد ، إن حملناه محمل الجد ، فلا بدّ من القول إنه إنما يدل على أن يوسف إنما كان يحمل حقدا دفينا على إخوته ، وهو أمر لا نشك في براءة الصديق منه البراءة ، كل البراءة ، هذا وقد ذهبت جمهرة من المفسرين والمؤرخين المسلمين إلى أن إخوة يوسف لما دخلوا عليه عرفهم وقال كالمنكر عليهم : ما أقدمكم بلادي؟ قالوا : جئنا للميرة ، قال لعلكم عيون (جواسيس) علينا ، قالوا : معاذ الله ، قال فمن أين أنتم ، قالوا من بلاد كنعان ، وأبونا يعقوب نبيّ الله ، قال : وله أولاد غيركم ، قالوا نعم ، كنا اثنى عشر ، فذهب أصغرنا وهلك في البرية ، وكان أحبنا إليه ، وبقي شقيقه فاحتبسه ليتسلى به عنه ، وجئنا نحن العشرة ، فأمر بإنزالهم وإكرامهم (٣).
وأما القرآن الكريم فقد ذكر أن يوسف أكرم وفادتهم ، ورد إليهم ما
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٤ / ٢٨٨ ، محمود زهران : قصص من القرآن ص ٨٧.
(٢) تكوين ٤٢ / ٧ ـ ٢٤.
(٣) أنظر : تفسير النسفي ٢ / ٢٨٨ ، تفسير الجلالين ٢ / ٢٤٩ ، مختصر تفسير ابن كثير ٢ / ٢٥٥ ، صفوة التفاسير ٢ / ٥٨ ، تاريخ الطبري ١ / ٣٤٨ ، الكامل لابن الأثير ١ / ٨٤ ، البداية والنهاية لابن كثير ١ / ٢١١.