دفعوه من ثمن دون أن يشعرهم (١) ، وجاء أن يغريهم ذلك بإحضار شقيقه بنيامين ، وهددهم بلطف إن لم يأتوا به (فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ) ، ولم يرد في الذكر الحكيم مما ورد في التوراة من إساءته لإخوته ، إذ أن ذلك لا يتفق والصورة التي رسمها القرآن الكريم وأبرز معالمها لشخصية يوسف ، وما اتسمت به من حلم وإخلاص وبر ، وهو الذي علمه ربه وأحسن هدايته ، وطهر قلبه من الحسد ، قال تعالى منوها بشأنه : (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (٢).
ودارت مفاوضات بين يعقوب عليهالسلام وأبنائه انتهت بقبوله إرسال بنيامين معهم ، على أن يؤتره موثقا من الله أن يردوه عليه ، إلا أن يحاط بهم (٣) ، فلما آتوه موثقهم جعل النبي الكريم يوصيهم بما خطر له ، (وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ، وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٤).
وتضرب الروايات والتفاسير في هذا وتبدي وتعيد بلا ضرورة ، ولو كان السياق القرآني يحب أن يكشف عن السبب لقال ، ولكنه قال فقط «إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها ، فينبغي أن يقف المفسرون عند ما أراده السياق احتفاظا بالجو الذي أراده ، والجو يوحي بأنه كان يخشى شيئا عليهم ، ويرى
__________________
(١) جاء في تفسير الظلال (٤ / ٢٠١٦) أن يوسف لم يعطهم قمحا ، إنما وضع لهم بضاعتهم في رحالهم ، فلما عادوا قالوا : يا أبانا منع منا الكيل ، وفتحوا رحالهم فوجدوا بضاعتهم ، وكان ذلك ليضطرهم إلى العودة بأخيهم ، وكان هذا بعض الدرس الذي عليهم أن يأخذوه.
(٢) أنظر : سورة يوسف : آية ٥٨ ـ ٦٣.
(٣) سورة يوسف : آية ٦٣ ـ ٦٦.
(٤) سورة يوسف : آية ٦٧ ـ ٦٨.