(٢) التمرد الإسرائيلي بسبب الماء والطعام : ـ
ما أن تمضي أيام ثلاثة على انغلاق البحر آية الله الكبرى لموسى وقومه عند «يم سوف» حتى تذمر ببنو إسرائيل لأنهم «لم يقدروا أن يشربوا ماء من مارة لأنه مر ، لذلك دعي اسمها مارة ، فتذمر الشعب على موسى قائلين ما ذا نشرب ، فصرخ إلى الرب فأراه الرب شجرة فطرحها في الماء فصار الماء عذبا» (١) ، وما أن يمضي شهر ونصف الشهر حتى يعود بنو إسرائيل إلى التذمر مرة أخرى ، ومن الغريب أن مصدر التذمر الآن ، كما كان في المرة الأولى ، شهوة رخيصة ، وسعي وراء لذة دنيوية ، فإذا كانت الأولى بسبب الماء العذب ، فقد كانت الثانية بسبب حرمانهم من طعام كانوا يحصلون عليه من فتات الموائد وفضلات المصريين ، كانوا يجدون في سيناء «المن» أو العسل البري يشتارونه في غير مشقة ولا جهد ، وكانوا يجدون «السلوى» (٢) ، ولعله
__________________
(١) خروج ١٥ / ٢٣ ـ ٢٥.
(٢) المن والسلوى : أما المن فقد اختلف المفسرون فيه ، قال ابن عباس : كان المن ينزل عليهم على اشجار فيغدون إليه فيأكلون منه ما شاءوا ، وقال السدى كان يسقط على شجرة الزنجبيل ، وقال قتادة كان ينزل عليهم في محلتهم سقوط الثلج أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس يأخذ الرجل منه ما يكفيه يومه ، ولا يدخر إلا يوم الجمعة فادخاره مباح ليوم السبت ، وقال عبد الرحمن بن أسلم : إنه العسل ، وقال الربيع بن أنس كان المن ينزل عليهم مثل العسل فيمزجونه بالماء ثم يشربونه ، وقيل هو الترنجبين أو ما يسقط على شجرة الترنجبين أو الزنجبيل ، وهو يشبه الصمغ حلو مع شيء من الحموضة ، وقيل المن خبز الرقاق ، وقيل كان شرابا حلوا يطبخونه فيشربونه ، وقيل هو جميع ما منّ الله به عليهم في التيه جاءهم عفوا بلا تعب ، وأما السلوى : فهو طائر السماني أو طائر يشبه السماني ، وكانت تأتيهم من السماء بكرة وعشيا أو متى أحبوا ، أو أن ريح الجنوب كانت تسوقها إليهم فيذبح الرجل منها ما يكفيه ، وقيل كانت تنزل عليهم مطبوخة أو مشوية ، وكان ينزل عليهم ، كالمن ، من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، ما عدا يوم السبت ، فكان الواحد منهم يأخذ حاجته ليومه ، ما عدا يوم الجمعة فيأخذ ليومين ، فخالفوا وادخروا ، فدوّد وفسد ، فقطع الله عنهم ذلك ، ويروي عن أبي هريرة أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لو لا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام ولم يخنز ـ