السماني ، وفيرا يسيرا صيده ، وكانت سيناء ، وما زالت ، قبلة للأفواج الكثيرة من طيور الهجرة تقبل في الخريف متعبة مرهقة بعد عبور البحر ، فما أن تجد الأرض حتى تحط ، فإذا لاحت تباشير الربيع عادت إلى اجتياز سيناء في طريقها إلى البحر تعبره إلى حيث تقيم ، ومع ذلك فلم يرضى اليهود بما أنزل عليهم من رزق الله (١).
وليس هناك من ريب في أن ذلك إن دل على شيء ، فإنما يدل على أن اليهود إنما كانوا يفضلون الحياة الذليلة تحت سياط الرق والاستعباد ، بجوار قدور اللحم ، على حياة الحرية والكرامة ، تقول التوراة «فتذمر كل جماعة بني إسرائيل على موسى وهارون في البرية وقال لهما بنو إسرائيل «ليتنا متنا بيد الرب في أرض مصر ، إذ كنا جالسين عند قدور اللحم نأكل خبزا للشبع ، فإنكما أخرجتمانا إلى هذا القفر ، لكي تميتا كل هذا الجمهور بالجوع» (٢) ، ثم طفقوا يعدّدون ما كانوا يجدون في مصر من الخير وألوان الطعام ، تقول التوراة «فعاد بنو إسرائيل أيضا وبكوا وقالوا : من يطعمنا لحما ، قد تذكرنا السمك الذي كنا نأكله في مصر مجانا ، والقثاء والبطيخ والكرات والبصل والثوم ، والآن قد يبست أنفسنا ليس شيء غير أن أعيننا إلى هذا المن» (٣) ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها
__________________
ـ اللحم» ، وروى السدى أن السلوى هو العسل بلغة كنعان. (تفسير الطبري ١ / ٢٩٣ ـ ٢٩٨ ، تفسير النسفي ١ / ٤٩ ، تفسير الخازن ٣ / ٦٣ ، تفسير روح المعاني ١ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤ ، الدر المنثور ١ / ٧٠ ـ ٧١ ، ابن الأثير ١ / ١١٠ ـ ١١١ ، صفوة التفاسير ١ / ٦٠ ، مختصر تفسير ابن كثير ١ / ٦٦ ـ ٦٧).
(١) أحمد عبد الحميد يوسف : المرجع السابق ص ١٢٨ ـ ١٢٩ وكذاMeinertziragen ,Nicoll\'s Birds Egypt ,P. ٤٦٩ ـ ٤٦٨ ، ٤١.
(٢) خروج ١٦ / ٢ ـ ٣.
(٣) عدد ١١ / ٤ ـ ٦.