باسمه المعلوم (١) ، هذا ورغم أن كثيرا من المفسرين يرون أنه بحر القلزم ، يعنون بذلك البحر الأحمر ، غير أن طائفة منهم ترى أنه النيل ، ولعلهم يعنون أحد فروع النيل ، ويرون أن العرب كانت تسمي الماء والملح والعذب بحرا ، إذا كثر ، هذا إلى أن فريقا ثالثا ذهب إلى أنه بحر ساف (بحر سوف) ، بل إن الإمام الفخر الرازي روى عن ابن عباس أن يوشع بن نون ضرب دابته وخاض في البحر حتى عبر ثم رجع (٢) ، كما رأينا من قبل ، وبدهي أن يوشع لا يمكنه أن يخوض البحر الأحمر بدابته ، ومن ثم فربما هذه الرواية قد تشير إلى مكان آخر ، غير البحر الأحمر ، وربما كانت بحيرة المنزلة.
هذه هي الآراء المختلفة التي دارت حول مكان انغلاق البحر لموسى عليهالسلام ، وكل منها له مؤيدوه ومعارضوه ، ومن ثم فإنني لا أستطيع أن أجزم بمكان بعينه انغلاق فيه البحر لموسى ، ما دمنا لا نملك نصا صريحا واضحا ، وكل ما قدمناه إنما هو اجتهادات ، وفوق كل ذي علم عليم ، والله وحده يعلم الغيب من الأمر ، وهو وحده العليم بكل شيء.
(٢) تاريخ انغلاق البحر : ـ
في الواقع أن تاريخ انغلاق البحر لموسى عليهالسلام ، إنما يتصل بتاريخ خروج بني إسرائيل من مصر ، وغرق فرعون وجنده ، ونجاة موسى ومن معه ، وهذا ما سوف نناقشه بالتفصيل عند حديثنا عن «فرعون مصر» ، وهو موضوع الفصل الثالث من هذا الباب ، ويكفي أن نشير الآن إلى أننا نرجح أن فرعون موسى إنما هو «مرنبتاح» (١٢٢٤ ـ ١٢١٤ ق. م) ، على أن يكون تاريخ الخروج وغرق الفرعون في العام الأخير من حكمه ، ذلك لأن
__________________
(١) أحمد عبد الحميد يوسف : المرجع السابق ص ٨٧.
(٢) تفسير الفخر الرازي ٤ / ١٣٩ ، تفسير روح المعاني ١ / ٢٥٥ ، تفسير النسفي ٣ / ١٨٥ ، وانظر : محمد بيومي مهران : إسرائيل ١ / ٤٤٦ ـ ٤٤٩.