خرجوا من مصر فرارا من آل فرعون ، أصبح عددهم يكفي لأن يقوم عليه مجتمع ، له كيان ونظام ومكان ، وقد جاءت التوراة بالنظام فأين يجدون المكان؟ إن أقرب مكان تطمح إليه أنظارهم ، بعد مصر ، إنما هو فلسطين (١) ، أو كنعان كما كانوا يسمونها ، فهي ، كما حدثتهم توراتهم في أسفار موسى الخمسة ، تفيض لبنا وعسلا (٢) ، ومنها (رابعا) أن موسى عليهالسلام أمرهم بدخول الأرض المقدسة التي كتب الله لهم ، سواء أكانت هذه الأرض هي فلسطين بعامة أو القدس أو أريحا فيما يرجح البعض ، تنفيذا لأمر الله تعالى : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) (٣).
(٢) الخوف من دخول كنعان : ـ
وهكذا بدأ موسى يسير بقومه نحو كنعان ، ولكن كنعان كانت عامرة بالسكان ، ومن ثم فإن محاولة دخولها إنما تعني الحرب بين بني إسرائيل وبين سكان فلسطين الأصليين ، وهنا ، وفي برية فاران ، أمر الرب موسى أن يرسل بعضا من رجاله يمثلون الأسباط جميعا لكي يتجسسوا أرض كنعان ، ويقوم الجواسيس بمهمتهم ثم يعودون إلى موسى بتفاصيل عما وجدوه في الأرض من تحصينات ، وما فيها من نقاط ضعف وقوة (٤) ، غير أن الرسل إنما ينقسمون إلى فريقين ، الواحد ويضم عشرة رجال ، يرى أن اليهود أضعف من أن يقوموا ، «لأن الأرض التي مررنا فيها لنتجسسها هي أرض تأكل سكانها ، وجميع الشعب الذي رأينا فيها أناس طوال القامة ، وقد رأينا هناك الجبابرة
__________________
(١) عبد الرحيم فودة : المرجع السابق ص ٢١٠.
(٢) خروج ٣ / ٨ ، ٣٢ / ١٣ ، ٣٣ / ٣ ، عدد ١٤ / ٨ ، تثنية ٢٦ / ١٥.
(٣) سورة المائدة : آية ٢١ ، وانظر : تفسير الطبري ١ / ٢٩٩ ـ ٣٠٣ ، تفسير النسفي ٢ / ٢٧٨ ، تفسير روح المعاني ١ / ٢٦٤ ، تفسير الخازن ١ / ٦٤ ، تفسير البيضاوي ١ / ١٤٨.
(٤) عدد ١٣ / ١ ـ ٢٩.