شديدة فجعل يقتل بعضهم بعضا ، فانجلت الظلمة عنهم ، وقد جلوا عن سبعين ألف قتيل ، كل من قتل منهم كانت له توبة ، وكل من بقي كانت له توبة ، على أن هناك من يرى أن التوبة لم تكن بالقتل ، وإنما بالنجع أو بقطع الشهوات (١).
(٥) طلب بني إسرائيل رؤية الله جهرة :
وهذا نوع آخر من ردة بني إسرائيل ، فرغم تتابع الحجج عليهم والآيات ، ورغم سبوغ النعم من الله تعالى عليهم ، فإن موسى عليهالسلام لم يجد منهم إلا العناء ، فما أن جاوزوا البحر ، فأتوا على قوم يعكفون على أصنامهم ، حتى قالوا لموسى اجعل لنا إلها ، كما لهم آلهة ، وكأن الله تعالى ، الذي فرق لهم البحر ليس هو إلههم الواحد الأحد ، وما أن تمضي بضعة أيام حتى يتذمر القوم من حياتهم الجديدة ، بسبب عدم وجود الماء العذب مرة ، وبسبب حرمانهم من طعام كانوا يحصلون عليه من فتات الموائد وفضلات المصريين مرة أخرى ، وما أن يمضي حين من الدهر حتى يعودوا إلى ما ألفوه من عبادة العجول في مصر ، وهكذا أتعب بنو إسرائيل أنفسهم ، واتعبوا نبي الله معهم ، لا يطيعون أمره ، ولا ينتهون عما نهى عنه ، وكأن شعارهم «سمعنا وعصينا» ، حتى إذا ما دعاهم إلى قتال عدوهم ، أجابوه : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ، وإذا أمرهم أن ادخلوا الباب سجدا ، وقولوا حطة ، نغفر لكم خطاياكم ، قالوا مستهزئين : حنطة في شعيرة ، ويدخلون الباب من قبل أستاهم (٢) ، إلى غير ذلك من أفعالهم
__________________
(١) أنظر : تفسير الطبري ١ / ٢٨٥ ـ ٢٨٨ ، تاريخ الطبري ١ / ٤٢٤ ، ابن كثير : مختصر التفسير ١ / ٦٤ ـ ٦٥ ، البداية والنهاية ١ / ٢٨٨ ، تفسير الخازن ١ / ٦٢ ، تفسير النسفي ١ / ٤٨ ـ ٤٩ ، تفسير أبي السعود ١ / ١٧٥ ـ ١٧٦ ، تفسير البغوي ١ / ٦٢ ، تاريخ ابن الأثير ١ / ١٠٨ ، ثم قارن : خروج ٣٢ / ٢٢ ـ ٢٩.
(٢) قال الحسن البصري : أمروا أن يسجدوا على وجوههم حال دخولهم ، وإن استبعده الرازي ، ـ