من قدم ، ثم ينكلون عن مقاتلة أهل بلد هي بالنسبة إلى ديار مصر ، لا توازي عشر المعشار في عدة أهلها وعدوهم ، فظهرت قبائح صنيعهم للخاص والعام ، وافتضحوا فضيحة لا يغطيها الليل ، ولا يسترها الذيل ، هذا وهم في جهلهم يعمهون ، وفي غيّهم يترددون ، وهم البغضاء إلى الله وأعداؤه ، ويقولون مع ذلك نحن أبناء الله وأحباؤه ، فقبح الله وجوههم التي مسخ منها الخنازير والقردة ، وألزمهم لعنة تصحبهم إلى النار ذات الوقود ، ويقضي لهم فيها بتأييد الخلود ، وقد فعل ، وله الحمد من جميع الوجود (١).
(٤) عودة التمرد ضد موسى : ـ
وما أن يمضي حين من الدهر قليل ، بعد أن كتب الله على بني إسرائيل أن يتيهوا في الأرض أربعين سنة ، حتى تعود ثورات بني إسرائيل على موسى من جديد ، غير أن الجديد هنا أن ثورة اليوم إنما يتزعمها أحد اللاويين ، سبط موسى نفسه ، ذلك أننا نقرأ في سفر العدد من التوراة أن مائتين وخمسين من شيوخ إسرائيل ، بقيادة «قورح» «اللاوي» قد اتهموا موسى وهارون بأنهما يترفعان على جماعة الرب ، رغم أن كل الجماعة بأسرها مقدسة ، وفي وسطها الرب ، ويحاول موسى أن يهدئ من ثائرة القوم ، وأن يذكر قورح بأن الرب إنما قرب سبطه اللاويين إليه ، دون بقية أسباط بني إسرائيل ، غير أن الثورة لا تهدأ ، ومن ثم يرسل موسى في طلب الزعيمين الآخرين «داثان وأبيرام» ، لعله ينجح في تهدئة القوم عن طريقهما ، إلا أن الرجلين يرفضان مجرد الاجتماع بموسى ، قائلين «أقليل أنك أصعدتنا من أرض تفيض عسلا ولبنا لتميتنا في البرية ، حتى تترأس علينا ، كذلك لم تأت بنا إلى أرض تفيض لبنا وعسلا ، ولا أعطيتنا نصيب حقول وكروم ، هل تقلع أعين هؤلاء القوم ، لا نصعد» (٢) ، ولعل هذا هو السبب في الثورات المتكررة من بني إسرائيل
__________________
(١) مختصر تفسير ابن كثير ١ / ٥٠٥.
(٢) عدد ١٦ / ١ ـ ١٤.