فعلم فرعون بذلك ، فاشتد حنقه وعزم على قتل موسى ، فطلبوه (١).
ويصبح موسى في المدينة خائفا ويترقب ، ويذهب الأستاذ سيد قطب إلى أن لفظ «يترقب» يصور هيئة القلق الذي يتلفت ويتوجس ، ويتوقع الشر في كل لحظة ، وهي سمة الشخصية الانفعالية تبدوا كذلك في هذا الموقف ، والتعبير يجسم هيئة القلق والخوف بهذا اللفظ ، كما أنه يضخمها بكلمتي «في المدينة» ، فالمدينة عادة موطن الأمن والطمأنينة فإذا كان خائفا يترقب في المدينة ، فأعظم الخوف ما كان في مأمن ومستقر ، وحالة موسى هذه تلهم أنه لم يكن من رجال القصر ، وإلا فما أرخص أن يزهق أحد رجال القصر نفسا في عهود الظلم والطغيان ، وما كان ليخشى شيئا ، فضلا عن أن يصبح خائفا يترقب ، لو أنه كان ما يزال في مكانه من قلب فرعون وقصره (٢) ، غير أن ابن كثير يذهب إلى أن الله تعالى يخبرنا أن موسى أصبح بمدينة مصر خائفا ، أي من فرعون وملئه أن يعلموا أن هذا القتيل الذي رفع إليه أمره إنما قتله موسى في نصرة رجل من بني إسرائيل ، فتقوى ظنونهم أن موسى منهم ، ويترتب على ذلك أمر عظيم فصار يسير في المدينة في صبيحة هذا اليوم خائفا يترقب (٣) ، وهذا ما نميل إليه ونرجحه.
وعلى أي حال ، فإن موسى عليهالسلام يمر بمن استصرخه بالأمس ، فإذا به يستصرخه ، مرة أخرى ، ضد آخر ، فيؤنبه موسى على مشاكسته وميله إلى الخصام ، ومع ذلك فما أن همّ موسى بنصرته حتى قال : (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ ، إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) (٤).
__________________
(١) مختصر ابن كثير ٣ / ٩ ، تاريخ الطبري ١ / ٣٩١.
(٢) في ظلال القرآن ٥ / ٢٦٨٢ ـ ٢٦٨٣.
(٣) ابن كثير : البداية والنهاية ١ / ٢٤٢.
(٤) سورة القصص : آية ١٩.