وهكذا تورط موسى في قتل مصري ، عن غير عمد ، روى الإمام النسفى أن اسمه «فاتون» ، ولا أدري كيف استقام لمفسري الإسلام هذا الإسم الذي تدل صيغته المصرية على أن سند الرواية والتواتر موصول ، ذلك أنه اسم مصري خالص مؤلف من اسم الشمس «آتون» مع فاء التعريف (١) ، وعلى أي حال ، فإن موسى إنما يوشك الآن أن يتورط في محنة جديدة بسبب ذلك الإسرائيلي الذي استصرخه بالأمس ، ويستصرخه اليوم ، ومن ثم فقد وصفه الكليم بأنه «غوي مبين».
ويذهب الأستاذ سيد قطب إلى أن العبرة التي تستشف من طريقة التعبير القرآنية عن الحادثتين وما تلاهما أنه لا يبرر الفعلة ، ولكنه كذلك لا يضخمها ، ولعل وصفها بأنها ظلم للنفس إنما نشأ من اندفاع موسى بدافع العصبية القومية ، وهو المختار ليكون رسول الله ، المصنوع على عين الله ، أو لعله كان لأنه استعجل الاشتباك بصنائع الطغيان ، والله يريد أن يكون الخلاص الشامل بالطريقة التي قضاها ، حيث لا تجدي تلك الاشتباكات الفردية الجانبية في تغيير الأوضاع ، كما كف الله المسلمين في مكة المكرمة عن الاشتباك حتى جاء الأوان (٢).
وعلى أي حال ، فقد كان تصرف الإسرائيلي الأحمق أو هذا الغوي المبين ، كما وصفه موسى ، أن شاع الخبر ، وأنبئت السلطات التي ارتاعت ، كما ارتاع الناس ، لما ارتكب موسى من قتل رجل ، والشروع في قتل آخر ، فكان أن استقر الرأي على محاكمته بما ارتكب ، والقصاص منه بما جنت يداه ، وإن كان موسى قد رأى في ذلك ظلما صارخا ، وإفتئاتا عنيفا ، أن يطلب بقتل خطأ لم يتعمده ولم يرغب فيه ، ولكن الذي لا شك فيه أنه قتل ،
__________________
(١) تفسير النسفي ٣ / ٢٢٩ ، أحمد عبد الحميد يوسف : المرجع السابق ص ٩٦.
(٢) في ظلال القرآن ٥ / ٢٦٨٤.