وجوع يذوبه ، ومسالك يقطعها ، ومهالك يرجو النجاة منها ، كان كل همه أن يفلت بعنقه من هؤلاء الذين يأتمرون به ليقتلوه ، فإن أعوزه الدليل بين متاهات السهول والتلال والجبال ، فلن يعوزه أن يلتمس في رحمة الله دليله وسبيله ، وإن كمن له الخطر في كل مكمن ومسكن ، فعساه يجد في رعاية الله ملاذه ومعاذه (١) ، وهكذا يخرج موسى من مصر هائما على وجهه في صحراوات سيناء المقفرة ، فارا مستوحشا ، خائفا من أن تناله هروات الشرطة من رجال «المجاي» الأشداء ، أو تصل إليه أيدي السلطات ، وكان في مصر شرطة منظمة يجند رجالها من قبائل «مدجا» على مقربة من الجندل الثاني (٢).
(٢) موسى في مدين : ـ
ويكتب الله للنبي الكريم سيدنا موسى عليهالسلام نجحا بعيد المدى في اجتياز القفار ، ملتمسا الأمن والسكينة والهدى ، حتى يصل إلى مدين ، عند خليج العقبة (٣) ، حيث يجد هناك المأوى والأمان ، وهنا تبدأ حلقة جديدة من حياة موسى عليهالسلام ، بدأت عند ما ورد ماء مدين ، ورأى مشهدا لا تستريح إليه النفس ذات المروءة ، كنفس موسى ، رأى الرعاة الرجال يوردون أنعامهم لتشرب من الماء ، بينما هناك امرأتان تمنعان غنمهما عن ذلك ، مع أن الأولى أن تسقي المرأتان وتصدرا بأغنامهما أولا ، وأن يفسح
__________________
(١) عبد الرحيم فودة : المرجع السابق ص ١٦١.
(٢) أنظر : ١٠١.p ، ١٩٦١. A.Gardiner ,Egypt of the Pharoohs ،
(٣) عن : مدين القبيلة والموقع (أنظر : محمد بيومي مهران : إسرائيل ٢ / ٥٥٨ ـ ٥٦١ ، دراسات تاريخية من القرآن ١ / ٢٩٧ ـ ٣٠٧) ، هذا وقد اختلف المفسرون في «اسم مدين» فذهب فريق إلى أنه اسم رجل في الأصل ، ثم كانت له ذرية ، فاشتهر في القبيلة كتميم وقيس وغيرهما ، وذهب آخرون إلى أنه اسم ماء نسب القوم إليه ، والأول أصح ، لأن الله تعالى أضاف الماء إلى مدين في قوله تعالى : «ولما ورد ماء مدين» ، ولو كان اسما للماء لكانت الإضافة غير صحيحة أو غير حقيقية ، والأصل في الإضافة التغاير حقيقة ، (تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٦٤ ، ياقوت الحموي ٥ / ٧٧ ـ ٧٨).