لهما الرجال ويعينوهما ، ولم يقعد موسى ، وهو الهارب المطارد ، والمسافر المكدود ، ليستريح ، وهو يشهد هذا المنظر المنكر المخالف للمعروف ، بل تقدم للمرأتين يسألهما عن أمرهما الغريب ، وعند ما عرف قصتهما تقدم فسقى لهما ، ثم تولى إلى الظل ، وإلى هذا يشير القرآن في قوله تعالى : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ ، وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما ، قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ ، فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ، فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا ، فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ، قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) (١).
هذا ويقدم لنا المفسرون عدة روايات عن الحادث ، فقد جاء في تفسير ابن كثير (٢) : روى عمرو بن ميمون الأودي عن عمر بن الخطاب رضياللهعنه أن موسى عليهالسلام ، لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ، قال : فلما فرغوا أعادوا الصخرة على البئر ، ولا يطيق رفعها إلا عشرة رجال ، فإذا هو بامرأتين تذودان ، قال ما خطبكما ، فحدثتاه فأتى الحجر فرفعه ، لم يسق إلا ذنوبا واحدا حتى رويت الغنم (أخرجه ابن أبي شيبة وإسناده صحيح) ، غير أن صاحب الظلال إنما يذهب إلى أنه لا حاجة لكل ما رواه المفسرون من دلائل قوة موسى ، كرفع الحجر الذي يغطي البئر ، وكان لا يرفعه ، فيما قالوا ، إلا عشرون أو أربعون أو أكثر أو أقل ، فالبئر لم يكن مغطى ، إنما كان الرعاة يسقون فنحاهم وسقي للمرأتين أو سقي لهما مع الرعاة ، ولا حاجة كذلك لما رووه عن دلائل أمانته من قوله للفتاة :
__________________
(١) سورة القصص : آية ٢٣ ـ ٢٦.
(٢) مختصر تفسير ابن كثير ٣ / ٩ ـ ١٠.