(٤) إيمان فرعون عند الغرق :
تحدث القرآن الكريم عن إيمان فرعون حين أدركه الغرق ، فقال تعالى : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ ، فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً ، حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ، فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ، وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) (١). والآيات الكريمة تشير إلى أن فرعون حين غشيته سكرات الموت آمن ، حيث لا ينفعه الإيمان ، ولهذا قال تعالى في جواب فرعون حين قال ما قال : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ) ، وذلك لأن التوبة ، كما يقول علماء السلف ، قبل المرض والموت ، وروى الترمذي عن ابن عمر عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» ، أي ما لم تبلغ روحه حلقومه فيكون بمنزلة الشيء الذي يتغرغر به (٢).
ويقول ابن السعود في تفسيره : إن فرعون حين أدركه الغرق «قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل» ، لم يقل كمقالة السحرة «آمنا برب العالمين رب موسى وهارون» ، بل عبّر عنه تعالى بالموصول ، وجعل صلته إيمان بني إسرائيل به ، تعالى للإشعار برجوعه عن الاستعصاء ، وباتباعه لمن كان يستتبعهم طمعا في القبول والانتظام معهم في سلك النجاة (٣) ، وقال النسفي إن في الآية دليل على إن الإيمان والإسلام واحد ، قال آمنت ، ثم قال : وأنا من المسلمين» ، كرر فرعون المعنى الواحد ثلاث مرات في ثلاث عبارات حرصا على القبول ، ثم لم يقبل منه حيث أخطأ
__________________
(١) سورة يونس : آية ٩٠ ـ ٩٢.
(٢) مختصر تفسير ابن كثير ٢ / ٢٠٥ ، حسن باجودة : التفسير البسيط للقرآن الكريم ٤ / ٢٨٦ (مكة المكرمة ٢٨٦ ، تفسير القرطبي ص ١٦٦٢.
(٣) تفسير النسفي ٢ / ١٧٤ ـ ١٧٥.