وقته ، وكانت المرة الواحدة تكفي في حالة الاختيار ، أتؤمن الآن في وقت الاضطرار ، حين أدركك الغرق ، وأيست من نفسك ، وروى الخازن في تفسير عن ابن عباس أنه قال : لم يقبل الله إيمانه عند نزول العذاب وقد كان في مهل ، وقال العلماء : إيمانه ، غير مقبول لأن الإيمان والتوبة عند معاينة الملائكة والعذاب غير مقبولين ، وقيل إنه قال ليدفع ما نزل به من البلية الحاضرة ، ولم يكن قصد به الإقرار بوحدانية الله ، والاعتراف له بالربوبية ، وقيل إن فرعون كان من الدهريين المنكرين لوجود الخالق ، فلهذا قال : «آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل» ، فلم ينفعه ذلك لحصول الشك في إيمانه ، ولما رجع فرعون إلى الإيمان والتوبة حين أغلق بابهما ، بحضور الموت ومعاينة الملائكة ، قيل له : «الآن وقد عصيت من قبل» ، يعني الآن تتوب ، وقد أضعت التوبة في وقتها ، وآثرت دنياك الفانية على الآخرة الباقية ، وقيل إن المخاطب بذلك لفرعون هو جبريل وقيل الملائكة ، وقيل هو الله تعالى ، عرف فرعون قبيح صنعه وما كان عليه من الفساد في الأرض ، بدليل قوله تعالى : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ) ، والقول الأول أشهر (١) ، ويعضده ما روى عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لما قال فرعون : «آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ، قال قال لي جبريل : لو رأيتني وقد أخذت من حال البحر فدسسته في فيه مخافة أن تناله الرحمة» (٢) ، وعن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لي جبريل : يا محمد لو رأيتني وأنا أغطه وأدس من الحال في فيه مخافة أن تدركه رحمة الله ، فيغفر له ، يعني فرعون ، وفي بعض الروايات إن جبريل قال : ما بغضت أحدا بغضي لفرعون حين قال : أنا ربكم الأعلى ، ولقد
__________________
(١) تفسير الخازن ٣ / ٢٠٦.
(٢) مختصر تفسير ابن كثير ٢ / ٢٠٦ ، وأنظر : تفسير الدر المنثور ٣ / ٣١٥.