جعلت أدس في فيه الطين حين قال ما قال» (١).
على أن الإمام فخر الدين الرازي اعترض في تفسيره على ذلك ، فقال : هل يصح أن جبريل أخذ يملأ فمه بالطين ، لئلا يتوب غضبا عليه ، والجواب الأقرب أنه لا يصح ، لأنه في تلك الحال إما أن التكليف كان ثابتا أم لا ، فإن كان ثابتا لا يجوز لجبريل أن يمنعه من التوبة ، بل يجب عليه أن يعينه على التوبة وعلى كل طاعة ، وأما إن كان التكليف زائلا عن فرعون في ذلك الوقت ، فحينئذ لا يبقى لهذا الذي نسب إلى جبريل فائدة ، وأيضا لو منعه من التوبة لكان قد رضى ببقائه على الكفر ، والرضا بالكفر كفر ، وأيضا كيف يليق بجلال الله بأن يمنعه من الإيمان ، وإذا قيل إن جبريل فعل ذلك من عند نفسه لا بأمر الله ، فهذا يبطله قول جبريل : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ).
وعلى أي حال ، فإن موسى عليهالسلام حين أخبر بني إسرائيل بغرق فرعون وقومه ، قالوا : ما مات وذلك لعظمته عندهم ، وما حصل في قلوبهم من الرعب لأجله ، فأمر الله البحر فألقى فرعون على الساحل أحمر قصيرا ، كأنه ثور ، فرآه بنو إسرائيل ، فمن ذلك الوقت لا يقبل البحر ميتا أبدا ، وروى عن ابن عباس : أن الله أنجى فرعون لبني إسرائيل من البحر ، فنظروا إليه بعد ما غرق ، وأما معنى قوله تعالى : (بِبَدَنِكَ) ، يعني نلقيك جسدا بلا روح فيه ، وقيل هذا الخطاب ، على سبيل التهكم والاستهزاء ، كأنه قيل له ننجيك ، ولكن النجاة لبدنك ، لا لروحك ، وقيل أراد بالبدن الدروع ، وكان ، لفرعون دروع من ذهب مرصع بالجواهر يعرف في درعه عرفوه ، وقيل ننجيك ببدنك ، أي نجعلك على نجوة من الأرض كي ينظروا فيعرفوا أنك مت ، وأخرج ابن الأبياري عن ابن سعود أنه قرأ «فاليوم ننجيك بندائك» (٢).
__________________
(١) ابن كثير : البداية والنهاية ١ / ٢٧٣.
(٢) تفسير الخازن ٣ / ٢٠٧ ـ ٢٠٩ ، الدر المنثور ٣ / ٣١٥ ـ ٣١٦.