وأما قوله تعالى : (لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) ، أي عظة وعبرة ، وذلك أن بني إسرائيل ادعوا أن قتل فرعون لا يموت أبدا ، فأظهره الله حتى يشاهدوه وهو ميت لتزول الشبهة من قلوبهم ، ويعتبروا به لأنه كان في غاية العظمة فصار إلى نهاية الخسة والذلة ، ملقى على الأرض لا يهابه أحد ، أو لتكون أية لمن يأتي بعدك من القرون ، إذا سمعوا مآل أمرك ممن شاهدك عبرة ونكالا عن الطغيان ، أو حجة تدل على أن الإنسان على ما كان عليه من عظم الشأن وكبرياء الملك ، إنما هو مملوك مقهور بعيد عن مظان الربوبية ، وقرئ «لمن خلقك» أي لخالقك آية كسائر الآيات ، فإن إفراده إياك بالإلقاء إلى الساحل ، دليل على أنه نعمد منه لكشف تزويرك وإماطة الشبهة في أمرك ، ودليل على كمال قدرته وعلمه وإرادته ، وأيا كان المعنى ، فإنه لم يكن آية لمن خلفه لمدة جيل أو جيلين ، وإنما بقي آية للعشرات الكثيرة من الأجيال ، والمئات الكثيرة من السنين ، وذلك بما كان رب العرش لأهل مصر من سلطان العلم وأسرار التحنيط (١).
بقيت الإشارة إلى أن موت فرعون غرقا ، ناسب هلاك بني إسرائيل على يديه بالذبح فيه تعجيل الموت بأنهار الدم ، والغرق فيه إبطاء الموت ولا دم خارج ، ولما كان الغرق من أعسر الموتات ، وأعظمها شدة ، فكان لمن ادعى الربوبية وقال : «أنا ربكم الأعلى» ، وعلى قدر الذنب يكون العقاب ، ولك أن تقول : لما افتخر فرعون بالماء ، وقال : «أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي» ، جعل الله موته بالماء ، بما افتخر به (٢).
__________________
(١) تفسير البيضاوي ٣ / ١٠٠ ، الدر المنثور ٣ / ٣١٦ ، تفسير الخازن ٣ / ٢٠٩ ، أحمد عبد الحميد : المرجع السابق ص ١٢٣ ، تفسير النسفي ٢ / ١٧٥.
(٢) تفسير روح المعاني ١ / ٢٥٥ ـ ٢٥٧.