سافر ، وكبر خائر ، وهو بإصراره الذي لا سبيل له إلا إلى المضي فيما بدا وأعلن للناس ، ولكنه مع ذلك لم ينج منهم ومن كيد نسائهم ، وتحالفت عليه قوى البغي ، فكان لهن من السلطان على أزواجهن ما حجب الحق الأبلج ، وأساء إلى الخلق المتين (١) ، (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) (٢).
وليس هناك من سبيل إلى شك في أن هذه إنما تقدم لنا صورة لمجتمع فاسد آثم ، تصور ما كان عليه مجتمع الدخلاء من حكام الهكسوس المغتصبين في مصر من فساد وانحلال ، ولو لم يكن لدينا عن مصر في ذلك الزمان سوى تلك القصة ، لاتخذناها وحدها دليلا على مجتمع يسوده الأجانب والغرباء ، ولنفيناها عن المصريين ونسبناها إلى المجتمع الأجنبي مطمئنين ، لأنها إنما تخالف عن طبيعة الأشياء في مصر ، وتخرج عن سليقة المصري بما ركب فيه من الأنفة والحمية والكرامة والكبرياء ، ولو نظرنا إلى بعض قصص التوراة ، لوجدنا قصتنا هذه أشبه بقصص التوراة وأدنى إلى مجتمعها (٣) ، على حين تنبو عن مجتمع المصريين الأصيل ، وتخالف تقاليدهم وأذواقهم ، خلافا يفوق كل خلاف (٤).
(٣) يوسف في السجن : ـ
تمثل هذه الفترة في حياة الصديق المحنة الثالثة والأخيرة ، فكل ما بعدها رخاء ، وابتلاء لصبره على الرخاء ، بعد ابتلاء صبره على الشدة ، والمحنة في هذه الحلقة هي محنة السجن بعد ظهور البراءة ، والسجن للبريء المظلوم أقسى ، وإن كان في طمأنينة القلب بالبراءة تعزية
__________________
(١) أحمد عبد الحميد يوسف : مصر في القرآن والسنة ـ القاهرة ١٩٧٣ ص ٤٥.
(٢) سورة يوسف : آية ٣٥.
(٣) انظر عن مجتمع قصص التوراة (محمد بيومي مهران : إسرائيل ٣ / ١٦٢ ـ ٢١٨).
(٤) أحمد عبد الحميد يوسف : المرجع السابق ص ٤٥ ـ ٤٦.