بهذه الوسائل الناعمة المظهر ، وأنهن كن يأكلن وهن متكئات على الوسائد والحشايا ، فأعدت لهن هذا المتكأ ، وآتت كل واحدة منهن سكينا تستعملها في الطعام ، ويؤخذ من هذا أن الحضارة في مصر كانت قد بلغت شأوا بعيدا ، وأن الترف في القصور كان عظيما ، فإن استعمال السكاكين في الأكل قبل هذه الآلف من السنين له قيمة في تصوير الترف والحضارة المصرية بين حكام مصر من الهكسوس ، وهم خليط من شعوب شتى ، فما بالك بالمصريين أنفسهم ، وهم أرفع شأنا ، وأكثر تمدنا ، وأرقى حضارة من كل شعوب الشرق القديم ، وعلى أية حال ، فبينما النساء منشغلات بتقطيع اللحم أو تقشير الفاكهة ، فاجأتهن بيوسف ، فلما رأينه أكبرنه وجرحن أيديهن بالسكاكين للدهشة ، «وقلن حاشا لله ، ما هذا بشر إن هذا إلا ملك كريم» ، وهذه التعبيرات ، فيما يرى صاحب الظلال (١) ، دليل على تسرب شيء من ديانات التوحيد في ذلك الزمان ، وهنا أدركت امرأة العزيز أن هؤلاء النسوة يقفن معها على أرض واحدة ، حيث تبدو فيها الأنثى متجردة من كل تجمل المرأة وحيائها ، فإذا بها تقول قول المرأة المنتصرة ، والتي تفخر عليهن بأن هذا في متناول يدها ، وإن كان قد استعصى قياده مرة ، فهي تملك هذه القيادة مرة أخرى (قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ، وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ، وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ ، قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ، وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ ، فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٢).
وهكذا تحولت الأمور إلى صراع بين المرأة والفتى ، ودخلت كما يقال في دور من العناد والمفاعلة غريب ، هي بتهالكها الذي انكشف عن تحجج
__________________
(١) في ظلال القرآن ٤ / ١٩٥٣ ، ١٩٨٤ ـ ١٩٨٥.
(٢) سورة يوسف : آية ٣٢ ـ ٣٤.