الله عليه ، وأهل مصر ، وإن كانوا يعبدون الأصنام ، إلا أنهم يعلمون أن الذي يغفر الذنوب ويؤاخذ بها ، هو الله وحده لا شريك له في ذلك (١).
غير أن أنباء الفضيحة سرعان ما تترامى إلى الناس ، وطفق النساء خاصة يتحدثن بسقطة امرأة العزيز ، ويتناقلنها بينهن ، وأنها شغفت حبا بفتاها وخادمها ، وكيف خرجت على طبع أنوثتها في إدلالها وتمنعها ، ونزلت عن كبريائها وسلطانها (٢) ، (وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٣) ، وفي ذلك إشباع في اللوم ، فإن من لا زوج لها من النساء ، أو لها زوج دنيء ، قد تعذر في مراودة الأخدان ، لا سيما إذا كان فيهم علو الجانب ، وأما التي لها زوج ، وأي زوج ، إنه عزيز مصر ، فمراودتها لغيره ، لا سيما لعبدها الذي لا كفاءة بينها وبينه أصلا ، وتماديها في ذلك ، إنما هو غاية الغي ونهاية الضلال (٤) ، (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً ، وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ، فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً ، إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) (٥)
هذا وتشير الآية الكريمة إلى أن امرأة العزيز إنما أرادت أن ترد على النساء اللواتي أطلقن ألسنتهن فيها بمكر يوقعهن فيما وقعت فيه من طريق ثغرة الضعف الغريزي الشهوي الذي تعرفه فيهن من معرفتها لنفسها ، ومن ثم فقد أقامت لهن مأدبة في قصرها ، وبدهي أنهن كن من نساء الطبقة الراقية اللواتي يهمها أمرهن ، وهن اللواتي يدعين إلى الموائد في القصور ، ويؤخذ
__________________
(١) ابن كثير : البداية والنهاية ١ / ٢٠٤.
(٢) التهامي نقرة : المرجع السابق ص ٥١٢.
(٣) سورة يوسف : آية ٣٠.
(٤) تفسير أبي السعود ٤ / ٢٧٠.
(٥) سورة يوسف : آية ٣١.