قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ ، فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ ، قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ، يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا ، وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ) (١).
هذا وقد اختلف المفسرون في هذا الشاهد ، قيل هو ابن عم امرأة العزيز ، وكان جالسا مع زوجها لدى الباب ، وقيل كان حكيما يرجع إليه الملك ويستشيره ، وربما كان بعض أهلها قد بصر بها من حيث لا تشعر فأغضبه الله تعالى لنبيه بالشهادة له والقيام بالحق ، وإنما ألقى الله الشهادة إلى من هو من أهلها ليكون أدل على نزاهته وأنفى للتهمة (٢) ، قال أبو حيان في البحر : وكونه من أهلها أوجب للحجة عليها ، وأوثق لبراءة يوسف ، وأنفى للتهمة (٣) ، وذهب جماعة من علماء السلف ، على رأسهم ابن عباس والحسن البصري وسعيد بن جبير والضحاك ، أنه كان صبيا في الدار ، واختاره ابن جرير ، وفيه حديث مرفوع رواه ابن جرير عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «تكلم أربعة وهم صغار» فذكر فيهم شاهد يوسف ، ورواه سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : «تكلم أربعة وهم صغار ، ابن ماشطة بنت فرعون ، وشاهد يوسف ، وصاحب جريح ، وعيسى بن مريم» ، ورواه الحاكم عن أبي هريرة (٤) ، وهكذا ظهرت براءة يوسف عليهالسلام للعزيز ، فقال له «يوسف أعرض عن هذا» أي لا تذكره لأحد ، لأن كتمان مثل هذه الأمور ، كما يقول ابن كثير ، هو الأليق والأحسن ، وأمرها هي بالاستغفار لذنبها الذي صدر منها ، والتوبة إلى ربها ، فإن العبد إذا تاب إلى الله تاب
__________________
(١) سورة يوسف : آية ٢٥ ـ ٢٩.
(٢) تفسير أبي السعود ٤ / ٢٦٨.
(٣) تفسير البحر المحيط ٥ / ٢٩٧.
(٤) مختصر تفسير ابن كثير ٢ / ٢٤٧ ، وانظر : تفسير الطبري ١٢ / ١٩٣ ، تفسير النسفي ٢ / ٢١٨ ، تفسير أبي السعود ٤ / ٢٦٨.