والنجاة ، ولكن السياق القرآني لم يفصل في تلك المشاعر البشرية المتداخلة المتعارضة المتغالبة ، لأن المنهج القرآني لا يريد أن يجعل من تلك اللحظة معرضا يستغرق أكثر من مساحته المناسبة في محيط القصة ، وفي محيط الحياة البشرية الكاملة كذلك ، فذكر طرفي الموقف بين الاعتصام في أوله والاعتصام في نهايته ، مع الإلمام بلحظة الضعف بينهما ، ليكتمل الصدق والواقعية والجو النظيف جميعا ، ثم يرى صاحب الظلال بعد ذلك أن ذلك أقرب إلى الطبيعة البشرية وإلى العصمة النبوية ، وما كان يوسف سوى بشر ، نعم إنه بشر ممتاز ، ومن ثم لم يتجاوز همه الميل النفسي في لحظة من اللحظات ، فلما رأى برهان ربه الذي نبض في ضميره وقلبه ، بعد لحظة الضعف الطارئة عاد إلى الاعتصام والتأبي.
ولعل هذا قريبا مما ذهب إليه الزمخشري في الكشاف حيث يقول : فإن قلت : كيف جاز على نبي الله أن يكون منه همّ بالمعصية وقصد إليها ، قلت (أي الزمخشري) المراد أن نفسه مالت إلى المخالطة ، ونازعت إليها عن شهوة الشباب وقرمه ميلا يشبه الهمّ به والقصد إليه ، وكما تقتضيه صورة تلك الحال التي تكاد تذهب بالعقول والعزائم ، وهو يسر ما به ويرده بالنظر في برهان الله المأخوذ على المكلفين من وجوب اجتناب المحارم ، ولو لم يكن ذلك الميل الشديد المسمى همّا لشدته ، لما كان صاحبه ممدوحا عند الله بالامتناع ، لأن استعظام الصبر على الابتلاء على حسب عظيم الابتلاء وشدته.
وأيا ما كان الأمر ، فلقد آثر الصديق التخلص بعد أن استفاق ، وهي عدت خلفه لتمسك به ، وهي ما تزال في هياجها الحيواني (وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ ، قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها ، إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ ، وَإِنْ كانَ