المنار على الجمهور هذا الرأي ، ويقول الإمام الفخر الرازي : الهم خطور الشيء بالبال أو ميل الطبع ، كالصائم يرى في الصيف الماء البارد ، فتحمله نفسه على الميل إليه وطلب شربه ، ولكن يمنعه دينه عنه ، وقال أبو حيان في البحر : نسب بعضهم ليوسف ما لا يجوز نسبته لآحاد الفساق والذي اختاره أن يوسف عليهالسلام لم يقع منه همّ البتة ، بل هو منفي لوجود رؤية البرهان ، وقال أبو السعود : إن همّه إليها بمعنى ميله إليها بمقتضى الطبيعة البشرية ، ميلا جليا ، لأنه قصدها قصدا اختياريا ، الا يرى إلى ما سبق من استعصامه المنبئ عن كمال كراهيته له ونفرته منه ، وحكمه بعدم إفلاح الظالمين ، وهل هو إلا تسجيل باستحالة صدور الهمّ منه تسجيلا محكما ، وما قيل : إنه حلّ الهميان ، وجلس مجلس الختان ، فإنما هي خرافات وأباطيل تمجّها الأذان ، وتردها العقول والأذهان (١).
هذا وقد ذهب صاحب تفسير المنار (٢) إلى أنها همت بضربه نتيجة إبائه وإهانته لها ، وهي السيدة الآمرة ، وهمّ هو برد الاعتداء ، ولكنه آثر الهرب فلحقت به وقدت قميصه من دبر ، على أن تفسير الهمّ ، فيما يرى صاحب الظلال (٣) ، بأنه همّ الضرب ورد الضرب مسألة لا دليل عليها في العبارة ، فهم مجرد رأى لمحاولة البعد بيوسف عن همّ الفعل أو همّ الميل إليه في تلك الواقعة ، وفيه تكلف وإبعاد عن مدلول النص ، ثم يرى في قوله تعالى (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) نهاية موقف طويل من الإغراء ، بعد ما أبى يوسف في أول الأمر واستعصم ، وهو تصوير واقعي صادق لحالة النفس البشرية الصالحة في المقاومة والضعف ، ثم الاعتصام بالله في النهاية
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ١٨ / ١١٩ ، تفسير البحر المحيط ٥ / ٢٩٥ ، تفسير أبي السعود ٢ / ٦٣ ، تفسير المنار ١٢ / ٢٣١ ـ ١٣٦.
(٢) تفسير المنار ١٢ / ٢٢٩ ـ ٢٣١.
(٣) في ظلال القرآن ٤ / ١٩٨١ ـ ١٩٨٢ (بيروت ١٩٨٢).