أول دعوة من المرأة ، إنما تكون هي الدعوة الأخيرة ، وقد لا تكون أبدا ، إذا لم تضطر إليها المرأة اضطرارا ، والفتى يعيش معها وقوته وفتوته تتكامل ، وأنوثتها هي تكمل وتنضج ، فلا بد كانت هناك إغراءات شتى خفيفة لطيفة ، قبل هذه المفاجأة العنيفة الغليظة ، «قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي ، إنه لا يفلح الظالمون» ، والنص هنا صريح وقاطع في أن رد يوسف المباشر على المراودة السافرة كان هو التأبي ، المصحوب بتذكير نعمة الله عليه ، وتذكر حدوده وجزاء من يتجاوز هذه الحدود ، فلم تكن هناك استجابة في أول الموقف لما دعته إليه دعوة غليظة جاهرة بعد تغليق الأبواب ، وبعد الهتاف باللفظ الصريح الذي يتجمل القرآن في حكايته وروايته وقالت : هيت لك. هذا وقد حصر المفسرون القدامى منهم والمحدثون نظرهم في الواقعة الأخيرة «ولقد همّت به وهمّ بها لو لا أن رأى برهان ربه» ، فأما الذين ساروا وراء الإسرائليات فقد رووا أساطير كثيرة يصورون فيها يوسف هائج الغريزة ومندفعا شبقا ، والله يدافعه ببراهين كثيرة فلا يندفع ، صورت له هيئة أبيه يعقوب في سقف المخدع عاضا على إصبعه بفمه ، وصورت له لوحات كتبت عليها آيات من القرآن (نعم القرآن) تنهى عن مثل هذا المنكر ، وهو لا يرعوى ، حتى أرسل الله جبريل يقول له : أدرك عبدي ، فجاء فضربه على صدره ، إلى آخر هذه التصورات الأسطورية التي سار وراءها بعض الرواة ، وهي واضحة التلفيق والاختراع (١).
على أن جمهور المفسرين إنما ساروا على أنها همّت به همّ الفعل ، وهمّ بها همّ النفس ، ثم تجلى له برهان ربه فتركه ، وأنكر صاحب تفسير
__________________
(١) في ظلال القرآن ٤ / ١٩٨١ ثم انظر : تفسير النسفى ٢ / ٢١٧ ، تفسير الطبري ١٦ / ٣٣ ـ ٤٨ تفسير ابن كثير ٤ / ٣٠٨ ـ ٣٠٩ تفسير القرطبي ص ٣٣٩١ ـ ٣٣٩٨ ، تاريخ الطبري ١ / ٣٣٧ ـ ٣٣٨ ، الكامل لابن الأثير ١ / ٨٠ ـ ٨١ ، ومن عجب أن التوراة لم تذكر شيئا مما ذكره المفسرون من هذه الروايات ، كما جاءت قصة المراودة في سفر التكوين ٣٩ / ٧ ـ ٢٠.