الرجل لم يكن شافعا له ، في نظر كتبة التوراة ومن لفّ لفّهم ، في دحض هذه الغيرة ، أنه كان زوج أجمل سيدة في مجتمع الهكسوس ، ولكن ما الحيلة وصاحب سفر التكوين من التوراة إنما يرى أن حاشية القصر كانت كلها من الخصيان ، حتى لنجده كذلك يصف رئيس سقاة الملك ورئيس خبازية بأنهما من الخصيان (١).
غير أن الصديق ، عليهالسلام ، إنما تعرض في أخريات أيامه في قصر العزيز إلى امتحان رهيب ، بدأت به المحنة الثانية في حياته ، وهي أشد من المحنة الأولى ، تجيئه وقد أوتي صحة الحكم ، وأوتي العلم ، ليواجهها وينجو منها جزاء إحسانه الذي سجله الله تعالى في قرآنه ، وذلك حين راودته امرأة العزيز عن نفسه ، لأنها افتتنت بحسنه فأحبته ، وليس لها ما يردعها من خوف زوجها عن خيانته ، لأنها تملك قيادة كما يشاء هواها ، شأن ربات القصور المترفات اللائي أفسدت طباعهن الحرية والفراغ ، وكادت له لما رفض أن يستجيب ، لأن لها من نفاذ الكلمة ومن السلطان على زوجها ما مكنها من الانتقام ، رغم ما عرف زوجها من آيات صدقه (٢). وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ ، وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ ، قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ، وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها ، لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (٣) ، ويقول الأستاذ سيد قطب (٤) ، طيب الله ثراه ، إن هذه الدعوة السافرة الجاهرة من امرأة العزيز ، لا تكون
__________________
(١) تكوين ٤٠ / ٢.
(٢) التهامى نفرة : المرجع السابق ص ٥١٢.
(٣) سورة يوسف : آية ٢٣ ـ ٢٤ ، وانظر : تفسير الطبري ١٦ / ٢٤ ـ ٥٠ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٣٠٦ ـ ٣٠٩ ، تفسير المنار ١٢ / ٢٢٧ ـ ٢٣٥ ، تفسير القرطبي ص ٣٣٩١ ـ ٣٣٩٩.
(٤) في ظلال القرآن ٤ / ١٩٨٠ ـ ١٩٨١ (بيروت ١٩٨٢).