وسلوى (١) ، ذلك أن القوم من الهكسوس سرعان ما قذفوا بالصديق إلى السجن ، رغم ما رأوا من آيات براءته ، كقد القميص وقطع الأيدي وشهادة الصبي وغير ذلك ، مدة لم يحددوا زمنها ، لأن الهدف من ذلك إنما كان أن ينسى الناس قصته مع امرأة العزيز ، هذه القصة التي لاكتها الألسن بين أوساط الناس.
ومع ذلك ، فإن الصديق عليهالسلام ، إنما يتقبل السجن صابرا محتسبا ، ورغم أنه كان في سجنه غريبا وحيدا بيد أنه كان دائما يسبح لمن أحيا الفؤاد بنوره ، فإذا به يستشعر رحابة في وجدانه وسعت الكون كله ، وسمت روحه لتتصل بروح الوجود ، وإذا به يأنس بربه ، ويحس تعاطفا مع كل من حوله وما حوله ، وإذا بقلبه ينفتح للبشرية جمعاء ، حتى الذين ظلموه لم يحقد عليهم ، كانت إرادته أن يتقي الله حق تقاته ، ونيته أن يخلص لله ، وعزمه أن يصل حبله بحبل الله ، وقصده أن يهب نفسه لله ، وأن يسير في سبيل الله فجزاه الله الجزاء الأوفى ، فعلمه من علمه ، والله بكل شيء عليم (٢).
وكان ملك مصر من الهكسوس الغزاة قد أدخل معه صاحب طعامه وصاحب شرابه بعد أن اتهمهما بأنهما تآمرا عليه ودسا له السم في الطعام ، فراح الصديق يدعوهما إلى الله ويذهب عنهما حزنهما ، ويبذل لهما ما وسعه البذل لتطمئن نفوسهما ، ويرى السجناء في مسلكه الطاهر ما يجذبهم إليه ، فيطلبون إليه تفسير الرؤيا وتأويل الأحلام (٣) ، ويكاد القرآن الكريم والعهد
__________________
(١) في ظلال القرآن ٤ / ١٩٨٧.
(٢) عبد الحميد جودة السحار : بنو إسماعيل ـ القاهرة ١٩٦٦ ص ٥٦ ـ ٥٨.
(٣) هناك بحوث كثيرة لعلماء النفس في الأحلام ، فمن قائل إنها صورة من اللاشعور النهائي ، أو هي صورة من الرغبات المكبوتة تتنفس بها الأحلام في غياب الوعي ، ومن قائل إنها تعويضية ، ومن قائل إنها تقوم بوظيفة لإعداد الحياة ، إذ أن الأمر كله لا يعدو أن القوم يحلمون ، لأنهم يلتمسون في الحلم حلولا لا يسيرون عليها في نشاطهم المقبل (إسحاق ـ