القديم يتشابهون في عرضهما للأمر ، وإن استغرقت التوراة كثيرا في رؤيا السجينين (١).
على أن القرآن الكريم إنما ينفرد وحده بذكر دعوة يوسف عليهالسلام ، وهو في السجن ، إلى توحيد الله ، وبث العقيدة الصحيحة ، ويظهر جليا في هذه الدعوة لطف مدخله إلى النفوس ، وسيره خطوة خطوة في رفق وتؤده (٢) ، (لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) (٣) ، وكأنه أراد إخبارهما بمعجزاته توطئه لدعائهما إلى الإيمان ، قال
__________________
ـ رمزي : علم النفس الفردي ـ القاهرة ١٩١٩ ص ١٣٢ ـ ١٣٤ ، التهامي نقرة : المرجع السابق ص ٥١٨ ، في ظلال القرآن ٤ / ١٩٧٢) ، ويذهب ابن خلدون في المقدمة (ص ١٨٠) أن النفس إذا خفت عنها شواغل الحس وموانعه بالنوم ، تتعرض إلى معرفة ما تتشوق إليه في عالم الحق ، فقدرك في بعض الأحيان منه لمحة يكون فيها الظفر المطلوب ، ولذلك جعل الله الرؤيا من المبشرات.
وروى عن أبو هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال «لم يبق من النبوة إلا المبشرات ، قيل وما المبشرات يا رسول الله؟ قال : الرؤيا الصالحة» (صحيح البخاري ٩ / ٤٠ ـ القاهرة ١٣٧٨) وفي تفسير النسفي ٢ / ١٦٩ روى عنه صلىاللهعليهوسلم) عن البشرى «هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له» ، وعنه صلىاللهعليهوسلم «ذهبت النبوة وبقيت المبشرات ، والرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة» (تفسير النسفي ٢ / ١٦٩) ، ويرى الإمام الغزالي أن أدلة العقل وحدها لا تكفي لنبوة نبي ، ويقول : إنما نعرف النبي أو العارف الذي يتلقى علمه من الله بأمر آخر ، فإن الله أعطانا نموذجا من خصائص النبوة نشاهده في نفوسنا ، ويعني بذلك ما يراه النائم من أسرار الغيب (الغزالي : المنقذ من الضلال ـ القاهرة ١٣٠٨ ه ص ٢٤ ـ ٢٦) ، ويذهب صاحب الظلال (٤ / ١٩٧٢) إلى أننا ملزمون بالاعتقاد بأن بعض الرؤى تحمل نبوءات عن المستقبل القريب أو البعيد ، ملزمون بهذا أولا من ناحية ما ورد في هذه السورة من وقوع مصداق رؤيا يوسف ، ورؤيا صاحبه في السجن ورؤيا ملك مصر ، وثانيا ما نراه في حياتنا من تحقيق رؤيا تنبئية في حالات متكررة بشكل يصعب نفي وجوده لأنه موجود بالفعل.
(١) سورة يوسف : آية ٣٦ ـ ٣٧ ـ ٤١ ، تكوين ٤٠ / ١ ـ ٢٢.
(٢) التهامي نقرة : المرجع السابق ص ٥٣٥.
(٣) سورة يوسف : آية ٣٧.