الإمام البيضاوي : أراد أن يدعوهما إلى التوحيد ويرشدهما إلى الدين القويم قبل أن يسعفهما إلى ما سألاه عنه ، كما هي طريقة الأنبياء في الهداية والإرشاد ، فقدم ما يكون معجزة له من الأخبار بالغيب لدلهما على صدقه في الدعوة والتعبير (١).
ثم يتوغل في قلوبهما أكثر ، ويفصح عن دعوته ، ويكشف عن فساد اعتقادهما ، واعتقاد قومهما بعد ذلك التمهيد الطويل (٢) ، (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ ، وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ، ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ، يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ، ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ، إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٣) ، وهي صورة للإسلام واضحة كاملة دقيقة شاملة ، كما جاء بها رسل الله جميعا ، من ناحية أصول العقيدة تحتوي ، الإيمان بالله وبالآخرة ، وتوحيد الله وعدم الإشراك به أصلا ، ومعرفة الله تعالى بصفاته الواحد القهار ، والحكم بعدم وجود حقيقة ولا سلطان لغيره أصلا ، ومن ثم نفي الأرقاب التي تتحكم في رقاب العباد ، وإعلان السلطان والحكم لله وحده ، ما دام أن الله أمر ألا يعبد الناس غيره ، ومزاولة السلطان والحكم والربوبية هي تعبيد للناس مخالف للأمر بعبادة الله وحده ، وحديد معنى «العبادة» بأنها الخضوع للسلطان والحكم والإذعان للربوبية ، وتعريف الدين القيم بأنه إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة ، أي إفراده بالحكم ، فهما مترادفان أو متلازمان «إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا
__________________
(١) تفسير البيضاوي ٢ / ٢٦٤.
(٢) محمد رجب البيومي : البيان القرآني ـ القاهرة ١٩٧١ ص ٢٢٥.
(٣) سورة يوسف : آية ٣٧ ـ ٤٠.