إلا إياه ذلك الدين القيم» ، وهذه هي أوضح صورة للإسلام وأكملها وأدقها وأشملها (١)
وهكذا يبلغ الصديق عليهالسلام ، أقصى الغاية من الدرس الذي ألقاه ، مرتبطا في مطلعه بالأمر الذي يشغل بال صاحبيه في السجن ، ومن ثم فهو يؤول لهما الرؤيا في نهاية الدرس ، ليزيدهما ثقة في قوله كله وتعلقا به (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) (٢).
والصديق ، مع هذا كله ، بشر ، فيه ضعف البشر ، فهو يتطلب الخلاص من سجنه ، بمحاولة إيصال خبره إلى الملك ، لعله يكشف المؤامرة الظالمة التي جاءت به إلى السجن ، وإن كان الله تعالى شاء أن يعلمه أن يقطع الرجاء إلا منه وحده ، (وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) (٣) ، والبضع ما بين الثلاث إلى التسع ، وفي الحديث «رحم الله أخي يوسف لو لم يقل أذكرني عند ربك لما لبث في السجن سبعا» (٤) ، والاستعانة بالعباد ، وإن كانت مرخصة ، لكن اللائق بالأنبياء الأخذ بالعزائم (٥) ، وجاء في تفسير القرطبي أن جبريل جاء إلى يوسف وهو في السجن معاتبا فقال له : يا يوسف من خلصك من القتل من أيدي إخوتك ، قال الله تعالى ، قال فمن أخرجك من الجب ، قال الله تعالى ، قال فمن عصمك من الفاحشة ، قال الله تعالى ، قال فمن صرف عنك كيد النساء ، قال الله تعالى ، قال : فكيف تركت ربك فلم تسأله
__________________
(١) في ظلال القرآن ٤ / ١٩٦٠.
(٢) سورة يوسف : آية ٤١.
(٣) سورة يوسف : آية ٤٢.
(٤) تفسير النسفي ٢ / ٢٢٣.
(٥) تفسير أبي السعود ٤ / ٢٨٠ ، تفسير الخازن ٣ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦.