على موسى وأخيه وهارون عليهماالسلام ، ذلك لأن هؤلاء الرحل الشاردين الحائرين الذين كانوا يسعون جاهدين وراء حياة أفضل من الارتحال ، ويحلمون ، بعد أن ذاقوا مرارة التنقل واشتد حنينهم إلى أرض كأرض مصر ، بأرض تفيض لبنا وعسلا ، ما داموا لا يستطيعون العودة إلى مصر ، ومن ثم فلم يلبثوا أن انحنوا باللائمة على من أثارهم ضد أصحابها (١).
وعلى أي حال ، فإن الثورة قد انتهت بإبادة زعمائها ، إذ «فتحت الأرض فاها وابتلعتهم وبيوتهم» ، ثم سرعان ما خرجت نار من عند الرب فأكلت المائتين والخمسين رجلا ، وأما بقية بني إسرائيل فقد سلط الله عليهم وباء كاد أن يفنيهم عن بكرة أبيهم ، لو لا أن موسى قد أمر ابن هارون بأن يسرع بإيقاد البخور للتكفير عن جماعة الرب ومع ذلك فقد مات بهذا الوباء «أربعة عشر ألفا وسبع مائة ، عدا الذين ماتوا بسبب قورح» (٢).
ولم يكتف بنو إسرائيل بثورة «قورح» هذه ، إذ سرعان ما تعاودهم آفتهم القديمة ، فيعاودون التمرد على موسى ، بل إن الثورة هذه المرة إنما تتجاوز كل الحدود ، حتى تصل إلى ذات الله العلية ، وذلك حين «تكلم الشعب على الله وعلى موسى قائلين لما ذا أصعدتمانا من مصر لنموت في البرية ، لأنه لا خبز ولا ماء ، وقد كرهت أنفسنا الطعام السخيف» (يعني المن والسلوى) ، فسلط الله عليهم الحيات فمات قوم كثيرون من بني إسرائيل ، ولم يرفع الله عنهم هذا البلاء ، إلا بتضرع من موسى «فصلى موسى لأجل الشعب ، فقال الرب لموسى : اصنع لك حية محرقة وضعها على راية فكل من لدغ ونظر إليها يحيا (٣) ، فصنع موسى حية من نحاس ووضعها على الراية
__________________
(١) نجيب ميخائيل : المرجع السابق ص ٢٢٢.
(٢) عدد ١٦ / ٣٢ ـ ٥٠.
(٣) من عجب أن يذهب المؤرخ الكبير «برستد» إلى أن موسى كان يتمسك ببعض الذكريات عن ـ