فكنا في أعيننا كالجراد ، وهكذا كنا في أعينهم» (١) ، وأما الفريق الآخر ، ويضم رجلين ، كالب بن يقنة ويشوع بن نون ، فقد عارض هذا الإتجاه الجبان ، بل إن كالب ليقول : «إننا نصعد ونمتلكها لأننا قادرون» (٢).
وهنا يثور بنو إسرائيل على موسى وهارون ، ومع ذلك فإن موسى إنما يبدأ يحرضهم على القتال ، ولكنهم مع كثرتهم ، (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) (٣) ، كانوا يخافون الحرب ويهابون القتال ، إذ تمكنت منهم المذلة والصغار ، فصاحوا بموسى وهارون قائلين : «ليتنا متنا في أرض مصر ، أو ليتنا متنا في هذا القفر ، ولما ذا أتى بنا الرب إلى هذه الأرض لنسقط بالسيف ، تصير نساؤنا وأطفالنا غنيمة» (٤) ، بل وقد ذهب بهم التمرد ، طبقا لرواية التوراة ، إلى حد الثورة على موسى شخصيا ، والمناداة بخلع رئاسته ، وقيام سلطة جديدة تعود بهم إلى مصر ، «أليس خير لنا أن نرجع إلى مصر ، فقال بعضهم لبعض نقيم رئيسا ونرجع إلى مصر» (٥).
ويصور القرآن الكريم هذا الحادث تصويرا صادقا ، الصدق كل الصدق ، مبينا أن صفة الجبن عند الإسرائيليين ، ليست صفة عرضية تزول بزوال أسبابها ، وإنما هي جوهر مكوّن للشخصية الإسرائيلية ، يتناسق مع بقية الصفات الجوهرية الأخرى ، لأن القرآن الكريم إنما يصفهم بالجبن ، وبين ظهرانيهم نبيّهم الكريم يحرضهم على القتال للدخول إلى أرض كنعان ، والناس حين يكون بينهم نبيّهم يكونون أكثر تشوقا للاستشهاد تحت
__________________
(١) عدد ١٣ / ٣١ ـ ٣٣.
(٢) عدد ١٣ / ٣٠.
(٣) سورة الحشر : آية ١٤.
(٤) عدد ١٤ / ١ ـ ٤.
(٥) عدد ١٤ / ٣ ـ ٤ ، وانظر : صفوة التفاسير ١ / ٣٣٦ ، التسهيل ١ / ١٧٣.