أن كانوا يسامون الخسف في ظل الوثنية الفرعونية عند فرعون وملئه ، ومنذ أن أنقذهم نبيّهم وزعيمهم موسى عليهالسلام باسم الله الواحد رب العالمين الذي أهلك عدوهم ، وشق لهم البحر ، وأنجاهم من العذاب الوحشي الذي كانوا يسامون ، إنهم خارجون للتو واللحظة من مصر ووثنيتها ، ولكن ها هم أولاء ما أن يجاوزوا البحر حتى تقع أبصارهم على قوم وثنيين عاكفين على أصنام لهم (للمعبودة حاتور في هيئة بقرة أو غيرها من الأشكال) مستغرقين في طقوسهم الوثنية ، وإذا هم يطلبون إلى موسى ، النبي الرسول ، الذي أخرجهم من مصر باسم الإسلام والتوحيد ، أن يتخذ لهم وثنا يعبدونه من جديد ، ومن ثم فإن موسى يغضب لربه أن يشرك به قومه (قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) ، ثم ترتفع نغمة الغيرة في كلمات موسى على ربه والغضب له ، والتعجب لنسيان قومه لنعمة الله تعالى عليهم ، وهي حاضرة ظاهرة ، (قالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ).
والتفضيل على العالمين يجب أن يكون واضحا أنه كان في زمانهم فحسب ، كما يجمع المفسرون ، ذلك لأن لكل زمان عالما ، ويجب الحمل على ذلك ، لأن أمة محمد صلىاللهعليهوسلم أفضل منهم لقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) ، وقول سيدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله» (رواه أصحاب السنن) ، وعلى أي حال ، فإن تفضيل بني إسرائيل في زمانهم إنما تتجلى في اختيارهم لرسالة التوحيد من بين المشركين ، وليس وراء ذلك فضل ولا منة ، فهذا ما لا يعدله فضل ولا منة ، فكيف بعد هذا يطلبون إلى نبيّهم أن يطلب لهم إلها غير الله ، وهم في نعمته وفضله يتقلبون (١).
__________________
(١) في ظلال القرآن ٣ / ١٣٦٥ ـ ١٣٦٧ ، مختصر تفسير ابن كثير ١ / ٦٢ ، تفسير النسفي ٢ / ٧٤.