في دخولهم من أبواب متفرقة اتقاء لهذا الشيء ، مع تسليمه بأنه لا يغني عنهم من الله شيء ، فالحكم كله إليه ، والاعتماد كله عليه ، إنما هو خاطر شعر به ، وحاجة في نفسه قضاها بالوصية ، وهو على علم بأن إرادة الله نافذة ، فقد علمه الله هذا فتعلم بنور النبوة أنه لا ينفع حذر من قدر ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، ثم ليكن هذا الشيء الذي كان يخشاه هو العين الحاسدة ، وقد قال سيدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن العين حق ، وقال صلىاللهعليهوسلم العين حق تدخل الرجل القبر ، والجمل القدر» ، وكان صلىاللهعليهوسلم يعوّذ الحسن والحسين فيقول : «أعيذكما بكلمات الله التامة من كل هامة ومن كل عين لامة» ، وفي رواية «أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة» ، وكان صلىاللهعليهوسلم يقول : كان أبوكما (يعني إبراهيم) يعوّذ بهما إسماعيل وإسحاق» (رواه البخاري) ، أو كان يعقوب يخشى على أولاده غيرة الملك من كثرتهم وفتوتهم أو هو تتبع قطاع الطرق لهم ، أو كائنا ما كان فهو لا يزيد شيئا في الموضوع (١).
وعلى أية حال ، فما أن دخلوا على يوسف ورأى أخاه ، حتى سجد شكرا لله على أن ساق إليه أخاه ووجده على قيد الحياة ، في يد أعداءه ، وهم الذين من قبل طاردوا أخاه ، وثارت شجون يوسف لما رآه ، وتحركت نفسه لسابق ما عاناه ، فمال على أخيه بنيامين وقال : إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون ، وسأدبر أمرا وهم لا يشعرون ، وستبقى وهم راحلون ، (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ، ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ : أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ ، قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ ، قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ ، وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ، قالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي
__________________
(١) في ظلال القرآن ٤ / ٢٠١٨ ، صفوة التفاسير ٢ / ٥٩ ، تفسير النسفي ٢ / ٢٣٠ ، تفسير أبي السعود ٤ / ٢٩٢ ، مختصر تفسير ابن كثير ٢ / ٢٥٦.