الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ) (١) ، قال البيضاوي استشهدوا بعلمهم على براءة أنفسهم لما عرفوا منهم من فرط أمانتهم ، كرد البضاعة التي جعلت في رحالهم ، وككمّ أفواه الدواب لئلا تتناول زرعا أو طعاما لأحد (٢) ، وهنا سألوهم : (فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ ، قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ ، كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) (٣).
وهنا ينكشف طرف التدبير الذي ألهمه الله يوسف ، وطبقا الرواية ابن كثير ، فقد كانت شريعة إبراهيم عليهالسلام أن السارق يدفع إلى المسروق منه ، أو كما يقول صاحب الظلال : فقد كان المتبع في دين يعقوب أن يؤخذ السارق رهينة أو أسيرا أو رقيقا في مقابل ما يسرق ، وتقول التوراة : الذي يوجد معه من عبيدك يموت ، ونحن أيضا نكون عبيدا لسيدي ، فقال نعم الآن بحسب كلامكم هذا يكون الذي يوجد معه يكون لي عبدا ، وأما أنتم فتكونون أبرياء» ، ولما كان إخوة يوسف موقنين بالبراءة فقد ارتضوا تحكيم شريعتهم فيمن يظهر أنه سارق ، ذلك ليتم تدبير الله ليوسف وأخيه ، ذلك لأنه لو حكم فيهم بشريعة ملك مصر ما تمكن من أخذ أخيه ، إنما كان يعاقب السارق على سرقته ، دون أن يستولي على أخيه ، كما استولى عليه بتحكيم إخوته لدينهم هم ، وهذا هو تدبير الله الذي ألهم يوسف أسبابه ، وهو كيد الله له ، والكيد يطلق على التدبير في الخفاء للخير أو للشر سواء وإن كان الشر قد غلب عليه (٤).
وبدأ التفتيش ، وأرشدت الصديق حصافته إلى أن يبدأ برحالهم قبل
__________________
(١) سورة يوسف : آية ٧٠ ـ ٧٣.
(٢) تفسير البيضاوي ٢ / ٢٦٧.
(٣) سورة يوسف : آية ٧٤ ـ ٧٥.
(٤) تفسير الظلال ٤ / ٢٠١٩ ـ ٢٠٢٠ ، مختصر تفسير ابن كثير ٢ / ٢٥٧ ، تفسير النسفي ٢ / ٢٣٢ تكوين ٤٤ / ٩ ـ ١٠.