رحل أخيه ، كي لا يثير شبهة في نتيجة التفتيش ، قال قتادة : ذكر لنا أنه كان لا يفتح متاعا ولا ينظر وعاء إلا أستغفر الله مما قذفهم به ، حتى بقي أخوه ، وهو أصغرهم ، فقال : ما أظن هذا أخذ شيئا ، فقالوا والله لا نتركك حتى تنظر في رحله ، فإنه أطيب لنفسك وأنفسنا ، فلما فتحوا متاعه وجدوا الصواع فيه ، فلما أخرجها منه نكس الأخوة رءوسهم من الحياء وأقبلوا عليه يلومونه ويقولون له : فضحتنا وسوّدت وجوهنا يا ابن راحيل. وفي رواية لابن الأثير قالوا : يا بني راحيل لا يزال لنا منكم بلاء ، فقال بنيامين : بل بنو راحيل ما يزال لهم منكم بلاء ، وزاد الطبري : ذهبت بأخي فأهلكتموه في البرية ، وضع هذا الصواع في رحلي الذي وضع الدراهم في رحالكم ، فقالوا : لا تذكرا الدراهم فتؤخذ بها. ثم صاح الأخوة ، وقد حرك الحرج الذي يلاقونه الآن كوامن حقدهم على بنيامين ، وعلى يوسف قبله ، فإذا هم ينتصلون من نقيصة السرقة ، وينفونها عنهم ويلقونها على أبناء هذا الفرع من أبناء يعقوب (أبناء راحيل) قالوا : «إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل» ، وتنطلق الروايات والتفاسير تبحث عن مصداق قولهم هذا في تعلانية وحكايات وأساطير ، فمن قائل إنه كان سرق صنما لجده أبي أمه فكسره فعيروه بذلك ، ومن قائل كان بنو يعقوب على طعام ، إذ نظر يوسف إلى عرق (وهو العظم أكل لحمه) فخبأه فعيروه بذلك ، إلى غير ذلك من روايات لا سند لها ، وكأن أخوة يوسف لم يكذبوا قبل ذلك على أبيهم في يوسف ، وكأنهم لا يمكن أن يكذبوا على عزيز مصر دفعا للتهمة التي تحرجهم ، وتبرءوا من يوسف وأخيه السارق ، وإرواء لحقدهم القديم على يوسف وأخيه ، وعلى أية حال ، فلقد أسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم (١).
__________________
(١) تفسير النسفي ٢ / ٢٣٢ ، تفسير الظلال ٤ / ٢٠٢٢ ، صفوة التفاسير ٢ / ٦٢ ، تاريخ الطبري ١ / ٣٥٤ ـ ٣٥٥ ، الكامل لابن الأثير ١ / ٨٥ ، مختصر تفسير ابن كثير ٢ / ٢٥٨ ، البداية والنهاية ١ / ٢١٣.