خلافات جوهرية بين القصتين ، كما جاءت في الذكر الحكيم (سورة يوسف) وفي سفر التكوين من التوراة (الإصحاحات ٣٧ ، ٣٩ ـ ٥٠) ، تثبت ، دونما أي ريب ، أن المصدر الأول لم يعتمد على الثاني ، بل إن سيدنا محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، كما يؤكد الباحثون من المستشرقين ، حتى المتعصبين منهم ، لم يقرأ التوراة أو أي كتاب آخر من كتب أهل الكتاب (١).
وأما هذه الخلافات الجوهرية بين قصة يوسف القرآنية ، وتلك التي جاءت في التوراة ، فمنها (أولا) تلك الملامح الروحية التي تتميز بها القصة القرآنية ، فضلا عن أن شخصية يوسف النبي ، أكثر وضوحا في القصة القرآنية ، منها في رواية التوراة ، ومنها (ثانيا) أن حب يعقوب ليوسف إنما تصوره التوراة ، على أن الصديق إنما كان يأتي لأبيه «بنميمة أخوته الرديئة» ، ولأنه ابن شيخوخته ، في الدرجة الأولى ، ثم رؤيا يوسف في الدرجة الثانية (٢) ، وأما في القرآن الكريم ، فإن السبب إنما هو الرؤيا الصادقة ، ثم إحساس عميق من يعقوب النبي ، بما سوف يكون للصديق من مستقبل في عالم النبوة وتأويل الأحاديث (٣) ، ومنها (ثالثا) أن القرآن الكريم وحده هو الذي يشير إلى أن مؤامرة إخوة يوسف عليه ، إنما بدأت قبل أن يذهب معهم ، فضلا عن توضيح رأي أبناء يعقوب في أبيهم ، ولنقرأ هذه الآيات الكريمة (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ، إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ، اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ
__________________
(١) راجع عن تفسير سورة يوسف : تفسير المنار ١٢ / ٢٥١ ـ ٣٢٤ ، ١٣ / ١ وما بعدها+ تفسير سورة يوسف لرشيد رضا ، تفسير البيضاوي ١ / ٤٨٦ ـ ٥١١ ، تفسير الطبري ١٢ / ١٤٩ ـ ٢٣٨ ، ١٣ / ١ ـ ٩١ ، تفسير القرطبي ٩ / ١١٨ ـ ٢٧٧ ، تفسير الألوسي ١٢ / ١٧٠ ـ ٢٦١ ، ١٣ / ١ ـ ٨٤ مؤتمر تفسير سورة يوسف (جزءان) ، تفسير النسفي ٢ / ٢١٠ ـ ٢٤١.
(٢) تكوين ٣٧ : ٢ ـ ١١.
(٣) سورة يوسف : آية ٦.