على احترام المصريين العبرانيين ، وإنما تدل على أنفة المصريين ، وتأبيهم عن مخالطة العبرانيين ، وعدم استعدادهم حتى للأكل معهم على مائدة واحدة ، لأن الأكل معهم رجس لا يليق بالمصريين ، رغم أنهم يعرفون أنهم إخوة يوسف ، عزيز مصر وقت ذاك ، والأمين على خزائنها ، والأثير عند مليكهما ، وإن دل ذلك على شيء ، فإنما يدل على أن القطيعة بين الفريقين ما كانت تحتاج إلى بيان ، بل إن يوسف نفسه ، طبقا لرواية التوراة ، إنما يسلم بها سلفا ، ومن ثم فقد أعد مائدة للمصريين ، وأخرى لإخوته ، وثالثة له ، ولعل أراد بذلك ألا يغضب أحد الفريقين ، إن جلس على مائدة فريق دون الآخر.
هذا وربما كان من أسباب هذه النفرة بين المصريين والإسرائيليين تلك النظرة المتعالية التي كان ينظر بها المصريون إلى من عداهم من الشعوب ، بل إنهم إنما كانوا يعتبرون أنفسهم وحدهم هم «الناس» أو «الرجال» وأما الأجانب فلا ، ومن ثم فقد كانوا يزدرونهم ويطلقون على رؤسائهم لقب «وغد» (١) ، وزاد الأمر بالنسبة للعبرانيين حرفتهم كرعاة ، «وكل راعي غنم رجس عند المصريين».
وأيا ما كان الأمر ، فلقد عاش بنو إسرائيل في ظل الهكسوس الغزاة ، ما شاء الله لهم أن يعيشوا ، حتى تقوم ثورة التحرير ، التي يحمل لواءها أبناء الصعيد من طيبة ، أولئك الذين لم يخنعوا للهكسوس أو يخضعوا لسلطانهم ، وتنتهي الأمور بمصر بطرد الهكسوس مصر ومطاردتهم حتى زاهى في لبنان ، ومن ثم يسترد المصريون زمام الأمور ، وتقوم الأسرة الثامنة عشرة حوالي عام ١٥٧٥ ق. م ، وعلى رأسها أحمس الأول ، الذي مجّدته الأجيال اللاحقة ،
__________________
(١) محمد بيومي مهران : الثورة الاجتماعية الأولى في مصر الفراغنة ص ١٦٢ ، ٢٠٩ ، وكذا
٣٧ ،.p ١٩٦١. A.H.Gardiner ,Egypt of The Pharoohs ,Oxford ,